«السعوا أول من ترونه واستمدوا حياتكم من موته»
أرسطوفان (الزنابير) 422 ق. م.
يجب ان تكون «زنبوراً» قاتلاً بالفطرة والغريزة حتى تفهم هذا الهلع العصابي المتوحش الانتقامي لدى قوات الغزو والعدوان الاسرائيلي وهي تصدر اوامرها «بضرب كل جسم يتحرك جنوب الليطاني» بعدما عجزت ليس فقط عن مقاومة خصومها المقاتلين بل وعن نزع الحياة عن قرى وبلدات جبل عامل في الجنوب اللبناني وعن لبنان عموماً على رغم آلاف الاطنان من اسلحة الدمار الشامل والابادة الجماعية التي استخدمتها ضد شعب لبنان العظيم!
وفكرة «الزنابير» هذه بالمناسبة كما يقول الكاتب والمؤرخ السوري الكبير منير العكش في كتابه الشهير«اميركا والابادات الجماعية» هي التي صنعت وارست دعائم اميركا «العالم الجديد» وذلك بفضل 93 حرباً جرثومية شاملة قضت على 112 مليون انسان ينتمون الى أكثر من 400 شعب كانوا يملأون «مجاهل» العالم الجديد بضحكة الحياة قبل أن يأتي اليها من سماهم واطلق عليهم التاريخ الرسمي الاميركي «القديسين» و«الحجاج» القادمين من بلاد الانجليز من الانكلوساكسون البروتستانت والذين كانوا يعتبرون انفسهم بمثابة «طلائع» الحج الى كنعان الجديدة أو «أرض اسرائيل» الانجليزية كما كان يسميها حاكم المستعمرة الاميركية الأولى التي بنوها على انقاض ضحاياهم من الهنود الحمر. قبل نحو ست أو سبع سنوات تطرق الأمين العام لحزب الله السيدحسن نصرالله في كلمة له لدعم الانتفاضة الفلسطينية عن العلاقة الجدلية المريبة بين «اسرائيل» واميركا فقال: «إنني وخلافاً لما هو متداول ومشهور ومتعارف عليه بأن (اسرائيل) واللوبي الاسرائيلي هو الذي يحرك ويقود اميركا اعتقد بان العكس هو الصحيح وأن اميركا هي التي توجه وتقود وتوكل المهمات لـ (إسرائيل)».
واليوم وبعدما كشفت عنه الحرب الإسرائيلية الحالية الجارية على قدم وساق ضد لبنان من بعض خفايا الاهداف الاميركية وبعدما بدأ يظهر من كتابات للمؤرخين الإسرائيليين الجدد من كون «اسرائيل» ليست سوى «وكيلة مهمات» اميركية متعاقبة بدأت تثقل كاهل المجتمع الاسرائيلي قد نستطيع القول إن كفة الميزان بدأت تميل أكثر فأكثر لصالح الرأي الذي سبق أن ادلى به أمين عام حزب الله قبل عدة سنوات من الآن.
يقول السناتور الاميركي هارت بنتون في كلمة له أمام مجلس الشيوخ في العام 1846م «إن قدر اميركا الابدي هو الغزو والتوسع، إنها مثل عصا هارون التي صارت افعى وابتلعت كل الجبال. هكذا ستغزوا اميركا الأراضي وتضمها اليها أرضاً بعد أرض. ذلك هو قدرها المتجلي. اعطها الوقت وستجدها تبتلع في كل بضع سنوات مغازات بوسع معظم ممالك اوروبا. ذلك هو معدل توسعها».
ايضاً فلنقرء سوية ما قاله السناتور البرت بيفردج في العام 1900م: « إن الله اصطفى الامة الاميركية من بين كل الامم والشعوب وفضلها عليهم وجعلها شعبه المختار وذلك من أجل قيادة العالم وتخليصه من شروره».
أيضاً وايضاً فلنقرأ مقطعاً من الكتاب الذي أطلق سراحه حديثاً من احدى المكتبات التابعة للكونغرس الاميركي وقامت مؤسسة ودار نشر السويدي في أبوظبي بترجمته ونشره إذ جاء على لسان جورج بوش الجد: «ما لم يتم تدمير امبراطورية السارزن (المسلمين) فلن يتمجد الرب بعودة اليهود إلى وطن آبائهم وأجدادهم».
القارئون جيداً لمسلسل الحوادث والوقائع التي مرت على لبنان خلال العام والنصف الماضي يستطيعون التأكيد من دون أية صعوبة تذكر أن «الحرب المفتوحة» التي اندلعت ضد هذا البلد الوديع والهادئ والذي كان يسير بأعجوبة نحو لملمة جروحه وإعادة ترتيب بيته الداخلي بعيداً عن «نموذج الفتنة العراقي» الذي كان يخطط له ليعم المنطقة نعم يستطيع التأكيد والجزم بأن الحرب الحالية الجارية ضد لبنان ليست إسرائيلية «الحدود» و«الذرائع» و«الأهداف» أبداً بل هي حرب أميركية بامتياز تهدف فيما تهدف إليه بشكل رئيسي إلى ما يأتي:
1- القضاء على مقولة المقاومة اللبنانية وتفكيك الذراع العسكري لحزب الله بصورة نهائية.
2- وضع اليد نهائياً على الدولة اللبنانية وإلحاق المجتمع اللبناني بمسلسل الفوضى البناءة الأميركية الذي أعد له جيداً لمنطقة «الشرق الأوسط الكبير».
3- تطويق كل من سورية وإيران بنيران الحرب المفتوحة على لبنان استعداداً لمهاجمتهما في أول لحظة مناسبة لادخالهما عنوة في مشروع الشرق الأوسط الجديد!
في هذه اللحظة التاريخية والحساسة جداً كان لابد من «استدعاء» دور القاعدة العسكرية الأكبر والأهم للولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط أي الدويلة الإسرائيلية لتقوم هي بالمهمة التاريخية التي من أجلها انشئت أصلاً ولأجلها ظلت مستمرة حتى الآن!
ليس هناك أي تفسير لانقلاب المعادلات وتحول قواعد اللعبة بين «إسرائيل» ولبنان إثر أسر جنديين إسرائيليين سوى ما ذهبت إلى الكشف عنه كوندوليزا رايس وهي تخوض معركة دبلوماسية النار الإسرائيلية عندما قالت «من مخاض ما يجري سيولد شرق أوسط جديد»! وكلما ابدت «إسرائيل» عجزاً في تحقيق الأهداف المعلنة تمدد الإدارة الأميركية الوقت لإدارة أولمرت واقفة بكل صلابة ضد أي جهد دولي منفرد أو جماعي لوقف اطلاق النار منهية بذلك عهد منظمة الأمم المتحدة وجميع المؤسسات الدولية الأخرى ذاهبة إلى حد حصر مقولة «المجتمع الدولي» بالدولة الأميركية وتابعتها العسكرية الشرق أوسطية أي الدويلة الإسرائيلية!
منذ ما بعد 12 يوليو/ تموز يمكن للعالم أن يسجل بداية عهد حرب باردة جديدة بين كل عناصر «العالم القديم» الذي يضم «جيوب المقاومة» الشعبية والحكومية والدولية للمشروع الأميركي الامبراطوري وبين القوة العظمى الأكبر التي تطمح لتشكيل «العالم الجديد» المؤمل لها والذي يفترض أن يبدأ من «الشرق الأوسط الجديد» الذي يعدون له منذ غزو افغانستان والعراق والذي يحاولون بعث الحياة فيه مع قرار الحرب المفتوحة على لبنان.
إن تعثر قطار تحولهم وتغييراتهم المؤملة في كل من افغانستان والعراق وفلسطين هو الذي دفع بهم للانتقال من «البطن الواقية الرخوة» في العالم القديم إلى «بطنة الصلات» المتمثلة بالمقاومة والممانعة اللبنانية.
وما كل الكلام الذي يثيرونه بشأن دور كل من سورية وإيران في الساحة اللبنانية إلا من باب الدعاية الردعية المضادة المطلوبة لانجاز مهمتهم الأوسع من لبنان أصلاً والتي يفترض أيضاً أن تترك تداعياتها الخطيرة على الداخل اللبناني لاسقاط مشروع «الفتنة» العراقي عليه.
من هنا كان لهم السيدحسن نصرالله بالمرصاد يومياً وهو يصر على المحافظة على الوحدة اللبنانية والوفاق السياسي العام في البلد مهما كان الثمن باهظاً، ومن هنا أيضاً كان وسيظل مصراً على «اللعب» داخل المربع اللبناني بامتياز على رغم عمق رؤيته العروبية وعمق رؤيته الاسلامية وعدم اخفائه يوماً تحالفاته الاقليمية والدولية الواضحة
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 1436 - الجمعة 11 أغسطس 2006م الموافق 16 رجب 1427هـ