شخصية مثل عبدالله النفيسي ليس من السهل تجييرها لصالح جماعة، وخصوصاً إذا كانت جماعة فئوية ذات إنسدادات أفقية قاعدية (جماهيرية) وإنسدادات عمودية إذ ليس لديها القدرة على قول كلمة لا مرة واحدة في حياتها وطيلة تاريخها على أرض الوطن!
النفيسي يعتمد التحليل المنطقي للحوادث، وليس العاطفي، ويستند على وقائع حية ويستشرف المستقبل بحسب سيناريوهات علمية لا صلة لها بمجاملة نظام سياسي معين أو مداراة خاطر تنظيم نخبوي أو شعبوي محدد.
لذلك، فإنه من الصعب على الفئويين حصر «النفيسي»، الذي قدم دكتوراه بعنوان: «دور الشيعة في العراق السياسي الحديث» في طائفة معينة، أو حصره فكرياً في منظومة ذات قوالب محددة وجاهزة، وهكذا فليس من سبيل لحصر النفيسي. وما قاله النفيسي في الأحاديث الجانبية والجماعية وفي كثير من الأحيان إلا دليلاً على نفس بشرية راقية ترفض ترهات طائفية استئصالية أو فئوية حصرية تحتكر تمثيل الاسلام وأهله، إضافة إلى أن النفيسي كما ذكرنا لا ينطلق من أطر دينية (وإن كان بحسب التصنيف الدارج يعتبر قريباً فكرياً من الإخوان المسلمين) إلا أن منطلقات النفيسي في تنظيراته السياسية تعتمد علمية تحليلية بحتة لا علاقة لها إلا بأصول علم السياسة والاستراتيجيا... أي هي أصول يستخدمها المسلم والمسيحي واليهودي ومن لا دين له.
وعلى ذلك، فإن المداخلات التي حملت صبغة طائفية، ليس مكانها طاولة يتحدث فيها النفيسي، إذ ليس وارداً فيما يقوله النفيسي أي إطار اجتماعي محدد فهو يعتمد على علم أصول السياسة الذي لا يعرف الملل أو النحل، وإنما يشخص حالات موجودة في الواقع المعاش، وطبيعة الصراع الدائر في المنطقة ومصالح الدول الكبرى، أي واقع انهزام الأنظمة العربية (نقابات النهب)، أو تدخلات إيران في العراق، أو مصالح أميركا والكيان الصهيوني.
كانت الفرصة مواتية في مسجد جمعية الإصلاح بالمحرق لتنبيه أحد الإخوة بشأن عدم وجود يافطة ترحيبية أو تدلل على أن محاضرة مهمة تقام هنا في الجمعية، فأكد لي أن الأمر لدى الإخوة وإنهم قد أبلغوا الناس عن طريق النشر في الصحافة و«مسجات» الهواتف، ومن وجهة نظر محدثي ذلك يكفي! ولكن حينما يقوم أحد النواب المحسوبين على إحدى الجمعيات بتوزيع «بسكويت» على الأطفال توضع له الصور واليافطات ولا يتم مصور إلا ويحضر ولا تتم صورة إلا وتؤخذ، فهنيئاً للجماهير البحرينية ولكم الاهتمام بأشياء تافهة والغفلة عن القضايا الاستراتيجية العظمى والشخصيات ذات الوزن على الساحتين الإقليمية والدولية
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1436 - الجمعة 11 أغسطس 2006م الموافق 16 رجب 1427هـ
