من منطق العالم المتمدن الحالي الذي تريد صوغ تركيبته الأيادي الكبار - ولا كبير على الله - أن إذا أردت أي شيء فيجب أن تدفع الثمن مقدما ومن ثم ينظر في شأنك إن كنت تستحق ما تريد أو لا تستحق... لذلك جاءت حرب لبنان كمقياس لذلك... وهو أن تسعى إلى الحرية فيجب أن تكون طوابير الجثث مرفوعة فوق الأعناق لدفع فاتورتها... تلك الجثث التي كان في مقدمتها أطفال لبنان ونساؤه... توابيت كانت ومازالت تعتبر طريقاً لكنز أخروي ثمين قل نظيره... نعم ، من يكره الشهادة سوى أولئك المتخاذلين مع الشيطان الذين تجدهم يطلون في جحورهم كالجرذان بين الفينة والأخرى ليبثوا رائحتهم الكريهة المنبعثة من أفواههم العفنة في قنوات التواطؤ مع العدو لم يردعهم رادع من دين أو عروبة أو انتماء من أن يخطّئوا ويحملون الذنب للبنان ومقاومة لبنان ويبكون على مرافق السياحة التي اعتادوا على ممارسة المجون فيها... هكذا هم لا تجد منهم إلا من يولي دبره في ساعة العسرة. هؤلاء هم الميتون مع أنهم أحياء... هؤلاء الذين يريدون أن يحاربوا ويضاددوا مشاعر أكثر من مليار مسلم... هؤلاء أعلنوا وفاتهم من قريب، وأعلنت الجماهير براءتها منهم.
منذ متى كان ثمن الحرية هو التواطؤ ومنذ متى كان الأكل مع العدو على طاولة واحدة وفي إناء واحد هو العزة والنصر... ولا غرابة أن نسمع كل يوم أمرا مريبا من طرف شاذ بدءا من فتوى وانتهاء بدبلوماسية موتورة لا تصب إلا في صالح العدو.
عندما تكون المشاعر الإنسانية هي المحركة للضمائر فذلك نعم الحراك، فماذا تريد أكثر من أن ينظر إليك أخوك الإنسان بمنظار الإنسانية وهي الباعث والدليل الأكبر على التعاضد والوقوف في صف واحد... نصف العالم يقف مع لبنان موقفاً إنسانياً وربعه يقف موقفاً أخوياً ونصف الربع يقف موقفاً محايداً ونصف الربع الأخير هو موقف المعادي... وعندما يكبت الإنسان مشاعره في ظل ظرف خطير كظرف لبنان فذلك يعني أن هناك خللاً كبيراً يحتاج إلى إصلاح... هذا الخلل وللأسف ابتلي به بعض شعرائنا المغاوير في ميادين الحب والغزل والمدح والثناء... لم تحرك المسألة فيهم أدنى إحساس للإمساك بالقلم وكتابة حرف واحد ينعى موت الضمير الرسمي العربي أو يمجد المقاومة الباسلة أو يدعو إلى يقظة ضمير هذه الأمة... وكأن لبنان ومقاومته يمثل طائفة بعينها ومذهباً بعينه... بينما الاعتداء على لبنان هو اعتداء على الأمة بأجمعها... والحديث الشريف الذي نردده دائما يطرق اسماعنا بين الحين والحين ( المسلمون كالجسد الواحد... اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) ولا عجب من ذلك ما دامت هذه الأقلام تعودت على أمور أخرى كاللعق من آنية الدرهم والدينار. وربما تكون بعض الفتاوى المعاصرة المتخاذلة اتت أكلها لديهم وهو الأمر المرجح. فبالأمس كانت فلسطين ساحة للشعر والنضال بمناسبة أو غير مناسبة ونسينا فلسطين بعد أن أتت أزمة العراق ونسينا فلسطين والعراق بعد أن أتت الطامة الكبرى في لبنان... وهكذا سيأتي اليوم الذي ننسى فيه أنفسنا... بعد ذلك لن نجد أدنى فرصة ننعى فيها أنفسنا... ولن نجد توابيت تحتويها أجسادنا. تكلمت في عمود سابق عن مهرجان شعري تتبناه جمعية الشعر أو أي منتدى ثقافي آخر ولكن اعتقد بأن قول الشاعر ينطبق تماما على أمواتنا الكرام الذين ينظرون إلى الموضوع نظرة فئوية بغيضة
لقد أسمعت... لو ناديت حيا
ولكن لا حياة لمن تنادي!
رشة :
لبنان والحق ضــــــايع بين أمتنا
ما حركت من ضماير (روسنا) نارك
انتي حييتي وحنا بالحيــــــــا متنا
مرفوعــة الراس لو هي تخرب ديارك
إبراهيم المقابي
العدد 1436 - الجمعة 11 أغسطس 2006م الموافق 16 رجب 1427هـ