العدد 1436 - الجمعة 11 أغسطس 2006م الموافق 16 رجب 1427هـ

2 - في الشركات العائلية

تحديات حوكمة الشركات

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يعتقد جون ل. وورد وهو أستاذ ومدير مشارك لمركز الشركات التجارية العائلية في كلية كيلوغ للإدارة، جامعة نورثويسترن. وهو أيضا أستاذ محاضر حول شركات الأعمال العائلية، في المعهد الدولي لتطوير الإدارة (IMD) في مدينة لوزان بسويسرا، أن حوكمة الشركات العائلية تختلف بصورة جوهرية عن حوكمة الشركات العامة التي يملكها عدد كبير من المساهمين. فامتلاك عائلة ما لشركة يركز السلطة في يدها فيسهل اتخاذ القرارات، الأمر الذي يُخفّض الكلف الإدارية كما يسمح باتخاذ قرارات غير تقليدية ولكنها مؤاتية استراتيجياً.

ويرى وورد أن نظام الشركة الناجح يساعد على بناء الثقة داخل العائلة، في حين تصبح الحيوية العائلية بدورها مصدر قوة للمؤسسة لأنها تسمح لكل قسم منفصل من أقسام الحوكمة بالعمل بصورة أفضل، وبالإضافة إلى قيمة أكبر مع البقاء متناغماً مع المُكّونات الأخرى لنظام الحوكمة. ويمكن لفوائد الحوكمة هذه أن تعود بفوائد اقتصادية واضحة.

لكنه يعتقد أيضا أن الأعمال التجارية المتنامية تصبح مُعقّدة أكثر فأكثر وتخلق متطلباتها الخاصة بشأن إيجاد هيكلية تنظيمية رسمية أكثر مطابقة للأنظمة والقواعد. ويتعين على مديري الشركات العائلية تكييف ممارساتهم الإدارية بحيث تتماشى مع ذلك. والحقيقة هي أن النجاح يدفع الحاجة إلى التكيّف والتغيير - وجميع الشركات العائلية تواجه في نهاية المطاف هذا الواقع نفسه.

مكانة الشركات العائلية

ظهرت الشركات العائلية على المستوى العالمي كقوة اقتصادية كبيرة تمارس الأدوار الاقتصادية المختلفة التي تمارسها الشركات العامة إذ تلعب دوراً مهماً في تحقيق مستوى مرتفع من النمو الاقتصادي وتوفير فرص كبيرة للتوظيف بالإضافة إلى ذلك فهي تساهم في الناتج المحلي الإجمالي في اقتصادات كبيرة مختلفة.

وما يعطي أهمية كبرى لهذا النوع من الشركات أنها شهدت قدراً كبيراً من التوسع والازدهار في مناطق مختلفة من العالم في ضوء ما تحققه من مميزات متعددة حددها الخبراء والمتخصصون لعل من أهمها الجمع بين حافز الربح مع المحافظة على الأبعاد الاجتماعية المختلفة، ووجود استقرار إداري وآلية في اتخاذ القرار ما يؤدي إلى زيادة في الإنتاجية والأرباح، وزيادة درجة الثقة بين المتعاملين في الأسواق والقائمين على الشركة خاصة إذا كانت العائلة المالكة للشركة تتمتع بسمعة طيبة، وتكريس مبدأ التخصص وتوارث الخبرات ما يؤدي إلى زيادة قدرات ومهارات العاملين فيها، واتحاد مصالح أفراد مالكي الشركة.

ويسود العالم اليوم ظاهرة الشركات العائلية. إذ تمثل أهم القوى الفاعلة في اقتصاد أي دولة فهي تشكل 80 في المئة من إجمالي عدد الشركات العاملة في معظم دول العالم، وتساهم في 45 في المئة من الناتج القومي الإجمالي لأي دولة، ففي الولايات المتحدة يوجد ما بين 30 في المئة - 60 في المئة من إجمالي الناتج القومي تنتجه الشركات العائلية وغالبًا ما تكون تلك الشركات صغيرة الحجم، كما أن 90 في المئة من الشركات الأميركية مملوكة ويقوم على إدارتها عائلات.

وغالبًا ما تختلف الشركات العائلية عن الشركات الحكومية أو شركات القطاع الخاص التي ترتبط بعائلة بعينها، وهذه الشركات ليست ظاهرة جديدة أو غريبة على الحياة الاقتصادية، بل هي النواة الأساسية التي بدأت منها كل الشركات وهي تمثل ما بين 65 في المئة - 80 في المئة من إجمالي عدد الشركات في العالم، كما أن هناك 40 في المئة من أقوى 500 شركة عالمية هي شركات عائلية طبقًا لقائمة فورتشن 500.

وفي المنطقة العربية تمثل هذه الشركات نحو 95 في المئة من إجمالي الشركات العاملة وتساهم بنحو 70 في المئة في الاقتصادات العربية. أما في منطقة الخليج فإن الشركات العائلية تسيطر على نحو 95 في المئة من حجم النشاط التجاري الخاص ومن خلال ذلك يتضح مدى الأهمية الاقتصادية المتزايدة لمثل هذا النوع من الشركات ليس في منطقة جغرافية معينة، وإنما تؤكد الأرقام والإحصائيات على انتشارها في معظم دول العالم.

ونتيجة لذلك أثيرت موضوعات عدة في غاية الأهمية خلال الآونة الأخيرة تتعلق بضرورة وضع الاحتياطيات اللازمة التي تعمل على منع حدوث أي تأثيرات سلبية مثل »انهيارها واندثارها« تؤثر في عملها من أجل الحفاظ عليها وعلى أنشطتها انطلاقاً من الأهمية النسبية التي باتت تحتلها في الوقت الحالي ولعل من ضمن هذه الاحتياطيات مناداة البعض بأن يتم إدماج هذا النوع من الشركات مع شركات كبرى عملاقة، مع الاحتفاظ بحق الملكية والتصرف الإداري، بينما ذهب البعض إلى ضرورة تحويل تلك الشركات إلى شركات مساهمة وهو ما حدث فعلاً في بعض الدول مثل السعودية، إلا أن التجربة لم تكتمل بسبب أنه يلزم عملية التحويل إلى شركات مساهمة ضرورة تطبيق مبادئ حوكمة الشركات عليها حتى تتم معايير الإفصاح المالي والشفافية والتدقيق السليم بما يسمح بالاستمرارية إلى الجيل الثاني والثالث، كما سيسمح هذا النظام بسهولة في الحصول على القروض المصرفية للتمويل والتوسع وزيادة رأس المال.

تجدر الملاحظة هنا أن السيطرة في الشركات العائلية تكون لعدد صغير من الأفراد والعائلات الذين يتحكمون في الأمور الداخلية للشركة بحكم وضعهم الوظيفي في كل النواحي المالية والإدارية، ما يجعل من هذا النظام مجرد حبر على ورق، لأن كثيراً من الأمور الفاعلة تواجه بتحديات كثيرة تحد من ممارسة فعاليات الحوكمة بصورة جيدة إلا أن معظم الشركات العائلية بدأت أخيراً تولي عناية كبيرة بهذا الأمر من أجل السير في اتجاه استمرارية هذا النوع من الشركات، من خلال تكييف ممارسات الشركة لتتلاءم مع التطورات والمتغيرات الحديثة. لأنه بمرور الوقت تتوارث هذه الشركة جيلاً بعد آخر ويتغير حجم العمل التجاري مما يؤدي إلى وجود تحديات تواجهها، وبالتالي لابد من وجود نظام جديد تكمل به عملها بما يضمن لها الاستمرارية.

لكن الخبراء يذهبون إلى القول إن مع تطبيق نظام الحوكمة على الشركات العائلية ينتظر أن يتم تحقيق عدد من النتائج الجيدة، لعل من أهمها إشاعة جو من الطمأنينة في أوساط المستثمرين وحملة الأسهم، وتعظيم قيمة الشركة وتدعيم المنافسة في أسواق المال العالمية، ومنع حدوث حالات الفساد المنتشرة في الشركات نتيجة لتطبيق مبادئ الإفصاح والشفافية بالإضافة إلى توفير مصادر تمويل للشركة في ظل تزايد حركة انتقال التدفقات الرأس مالية.

ويكمن الفارق بين الشركة العائلية التي تسقط ضحية لمواطن ضعفها وبين تلك التي تستغل مكامن قوتها النسبية في نوعية نظام حوكمتها. فالشركات العائلية الناجحة تثمّن قوة سيطرتها على ملكيتها، وتتطوع للخضوع لمساءلة ومحاسبة هيئة مستقلة، وتحدد بدقة أدوار ومسئوليات الملكية والإدارة ومجلس الإدارة بالطريقة الصحيحة.

وجوهر الفارق الذي يميز الشركات العائلية هو اختلاف طبيعة الملكية. وتدرك الشركات العائلية الناجحة أيضاً أن ممارسات الحوكمة تحتاج إلى التطور لكي تعكس التغيّرات في الشركة نفسها وضمن العائلة.

الحوكمة في الشركات العائلية

إن أنظمة حوكمة الشركات العائلية تتناسب بشكل فذ أكثر مع اتباع الاستراتيجيات غير التقليدية. فالشركات العائلية هذه قادرة أكثر على تجاوز نموذج الخصمين )بين الإدارة وأصحاب الأسهم( للإدارة التقليدية لشركات الأعمال. وبإمكان أصحاب الملكية فيها التأثير والاهتمام على مستويات متعددة، ما يجعل العائلة وسيلة اتخاذ قرارات أكثر فعالية في الإدارة وفي مجلس الإدارة وبين المالكين. وبدلاً من العمل كنظام مُكلف من الرقابة والتوازنات، تعمل حوكمة الشركات العائلية أحياناً كثيرة كوسيلة لتسهيل الشفافية والشراكة عبر النظام. ويمكن لهذا، بدوره أن يسهّل اتباع استراتيجيات يحتمل أن تكون أكثر إنتاجية على المدى البعيد على رغم الكلف أو المخاطر على المدى القصير.

وتُركّز الحوكمة التقليدية للأعمال التجارية أحياناً كثيرة على إقامة الحدود وعلى تحديد الفصل بين سلطات صنع القرار. وعلى العكس من ذلك، تُركّز حوكمة الشركات العائلية، أحياناً كثيرة، على إقامة انخراط إنتاجي وإجرائي عبر النظام. وتسمح الممارسات التي تؤمن استشارات بين المالكين وأعضاء مجلس الإدارة والمديرين في وقت واحد بتدفق أكثر حرية للأفكار وباتخاذ القرارات بصورة أسرع. وتساهم أيضاً في تحقيق تناغم متواصل بين المصالح والأهداف عبر فترة طويلة.

وتشكل مشاركة المالكين النشطة مفتاح الحوكمة الفعالة للشركات العائلية. فالملكية العائلية تحدّد قيم ورؤية وأهداف الشركة. كما تبين الأهداف المالية وتوقعات الأداء التي ترشد قرارات مجلس الإدارة والإدارة. ويقدم المالكون أيضاً رؤية شاملة تُحدّد بشكل عام استراتيجية الشركة. وهذا يوضح ويُركّز الأهداف عبر النظام ويساعد في وضع الضوابط الاستراتيجية المناسبة على قرارات مجلس الإدارة والإدارة.

غير أن إيجاد فهم واضح ومتفق عليه يشارك فيه الجميع للوظائف المنفصلة للملكية ومجلس الإدارة والإدارة هو أيضاً حيوي بالنسبة للحوكمة الفعالة للشركات العائلية - على الأخص لأن أفراد العائلة يلعبون أحياناً كثيرة أدواراً متعددة، فهم يؤدون دور المالك وعضو مجلس الإدارة والمدير.

وفي حين أن الاشتراك المباشر للعائلة على مستويات مُتعددة يعقد النظام، إلا أنه يؤمن أيضاً حلقة وصل مهمة تربط بين مختلف مجالات الحوكمة. ويمكن لحلقة الوصل هذه المتأصلة في الشركات العائلية، بالإضافة إلى التطور الإيجابي للروابط والعلاقات العائلية، أن تحدث تغييراً أساسياً في ديناميكية الثقة التي تعمّ نظام الحوكمة. ويساعد النظام الذي يؤدي مهمته بنجاح في بناء الثقة بين أفراد العائلة، وتصبح العلاقات الجيدة بينهم، بدورها، مصدر قوة بالنسبة للشركة لأنها تتيح لكل قسم منفصل من الإدارة العمل بصورة أفضل وإضافة مزيد من القيمة للشركة مع البقاء متناغماً مع المُكّونات الأخرى لنظام الحوكمة.

يضاف إلى كل التحديات السابقة مجموعة من السلبيات التي يمكن أن تقف عثرة أمام حوكمة الشركات العائلية والتي من أهم عناوينها:

- تسرب الأدوار العائلية إلى بيئة العمل.

- نقل الصراعات العائلية إلى الشركة.

- تحويل الولاء تلقائيًا من العائلة إلى الشركة

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1436 - الجمعة 11 أغسطس 2006م الموافق 16 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً