حين تتحدث عن القانون، بما له وعليه، في الدول النامية إجمالا فإنك ستواجه الكثير من علامات الاستفهام... فالقانون كان على الدوام حليف السلطة والمتسلطين، يوجه لخدمة البلاط الحاكم بغض النظر عن الآثار السلبية التي يمكن أن يوقعها على عامة الناس.
لنبدأ من حيث البداية، فمنذ القدم كان القانون يخدم أبناء القصر، أبناء الحكم وأنسابه حتى أولئك الذين يتعيشون على فضلات القصر ويتملقون الحكام بالقصائد والنفاق والملاق. فمن الاستحالة بمكان أن ينجو أي واحد من العامة من عقوبة «القانون» إذا ما ساقه القدر في طريق عربة بن الحاكم ماشيا على قدميه! وفي غالبية الأحيان كان قضاة السلطة من المقربين إلى المائدة، لأنهم الأداة التي تسلط على الناس والوسيلة التي تحقق بها السلطة غايتها المنشودة.
وعلى رغم أن السنوات أخذت تطوي بعضها بعضاً طياً، فإن القانون لايزال حبيسا للعقدة نفسها... المتنفذون يلهون ويلعبون بأدوات القانون، ويسيّرون اللعبة من حيث تشتهي أنفسهم وكأننا نعيش في حكم الغاب الذي يأكل فيه القوي الضعيف وتجري قوانين اللعبة بسلطة القوة والنفوذ.
دعونا لا نذهب بعيداً، ونطرح مثالاً واحداً على هذه النظرية ونحتكم للنتائج: في قضية خليج توبلي، كانت المجالس البلدية المعنية تسعى إلى الوصول إلى نتيجة عن الدفان الجائر وأسماء المتنفذين، إلا أنها غالبا ما كانت تواجه برفض الجهات المختصة التصريح بأي اسم بل حصل المتنفذون على تفويض شرعي من السلطة حين تم منع مجلس النواب من البحث عن خفايا القضية ما قبل 2002 وهي الفترة التي انتهى المتنفذون فيها من توزيع التركة.
عموماً، وبعد أن أعلن جلالة الملك عن منطقة الخليج محميةً طبيعيةً تكون القضية انتهت، لكن الملفت للأمر أن القانون سواء في البلديات أو غيرها من الجهات الحكومية، استطاع أن يطبق بمواده على عامة الناس - المغلوب على أمرهم - ممن اشترى الأراضي بماله الخاص!
وهناك نماذج كثيرة في مختلف أرجاء المعمورة تدلل وتؤكد نظرية العيش في غابة الأقوياء، ولعل آخرها وليس بآخرها العدوان الصهيوني، حتى أن مجلس الأمن المعني باستتباب القانون والأمن أعطى العدوان مشروعية دولية وباركه وأدان عمليات حزب الله في شمال فلسطين المحتلة ورفع شعار: «إسرائيل» لها حق الدفاع عن نفسها.
دعونا لا نذهب بعيداً، ففي الحلقة الحوارية التي تعرضها «الوسط» في صفحة حقوق اليوم، اعترافات من أبرز محامي البحرين بوجود فساد في القضاء وفي الأجهزة المساعدة لتنفيذ الأحكام، والأخطر من ذلك تأكيده وجود خيوط للمتنفذين في مختلف أجهزة القضاء، ما يفتح الباب على مصراعيه ليدق الناقوس وتفتح التحقيقات لكي ننأى بالقضاء عن الفساد وحكم المتنفذين ونرفع شعار «وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل» (النساء: 58)، ولكي يعيش حملة القانون، والقضاء خصوصاً ويموتوا وهم مرتاحو البال لا أن يعيشوا نقمة على الناس وهم أحياء ولعنة على ألسنتهم وهم أموات والأمثلة على ذلك كثيرة ولا مجال لطرحها..
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الملا"العدد 1436 - الجمعة 11 أغسطس 2006م الموافق 16 رجب 1427هـ