العدد 1436 - الجمعة 11 أغسطس 2006م الموافق 16 رجب 1427هـ

لبنان... والعاصفة الدولية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

مضى 32 يوماً على العدوان الأميركي - الصهيوني على لبنان (دولة ومقاومة) وحتى الآن تبدو الآمال المعلقة على تسوية سياسية تتعثر في مجلس الأمن. فالولايات المتحدة ترفض الأخذ بالتعديلات التي اقترحتها الحكومة اللبنانية على مشروع القرار الأميركي - الفرنسي. باريس وافقت على بعض التعديلات وكذلك موسكو وإلى حدٍما أظهر بعض دول الاتحاد الأوروبي تعاطفه الإنساني مع المأساة اللبنانية. واشنطن لاتزال على عنادها وتصر على استثمار الفرصة واستغلالها إلى حدها الأقصى. فهي رفضت حتى مشروع وقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أيام (72 ساعة) تقدمت به روسيا لمساعدة المحاصرين على النزوح ونقل الجرحى ودفن القتلى أو ايصال المساعدات الطبية والغذائية للمدنيين المعزولين في قراهم وبلداتهم.

إنها محرقة صهيونية - نازية تشرف الولايات المتحدة على إدارتها سياسياً في الاتجاه الذي يناسب مصالحها ولخدمة مشروع «المخاض» و«شرق أوسط جديد» الذي أعلنت عنه وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس.

مر 32 يوماً على العدوان ولاتزال الحرب مفتوحة على احتمالات منها أن تبقى تراوح في مكانها إلى أن يأتي موعد 31 أغسطس/ آب الجاري (فتح الملف الإيراني في مجلس الأمن)، وأما أن تتقدم «إسرائيل» من الشريط الحدودي إلى عمق يتراوح بين 10 و20 كلم (جنوب نهر الليطاني)، وأما أن يمنع حزب الله تقدمها ويفرض عليها القبول بوقف إطلاق النار (التوازن السلبي)، وأما أن تتدحرج الحرب ويتسع نطاقها الجغرافي إلى العمق اللبناني (شمال الليطاني) وصولاً إلى الجوار (الحدود السورية)، وأما أن تنعدم امكانات الحل العسكري ويتحول لبنان إلى ساحة مفتوحة للصراع السياسي الإقليمي والدولي.

كل الأبواب السياسية مفتوحة أمام احتمالات الحرب المفروضة على لبنان. وإعلان حكومة ايهود اولمرت عن عثورها على جثتين لجنديين إيرانيين معطوفاً على إعلان الحكومة البريطانية القبض على مجموعة (25 شخصاً من جنسيات عربية ومسلمة مختلفة) كانت تحاول خطف عشر طائرات مدنية، بالإضافة إلى تهديد تل أبيب بتوسيع دائرة الهجوم البري خلال يومين... كل هذا يشير إلى «مخططات جديدة» تريد تدويل الأزمة في لبنان واحتمال نقلها إلى أمكنة أخرى في حال توافرت الظروف المناسبة.

أمام هذه الاحتمالات الحربية المفتوحة ما هي الاحتمالات السياسية المفتوحة أمام لبنان والمنطقة؟ أن يستقر الوضع على حاله من دون تغيير، ان يتعدل التوازن لمصلحة مشروع التدويل، ان يتطور المشروع الأميركي - الإسرائيلي باتجاه استكمال تقويض لبنان (دولة ومقاومة) وبالتالي ينتزع من دائرته العربية (اتفاق الطائف) والتأسيس عليه لبناء تصور جديد (أميركي) عن شرق أوسط وعدت رايس بقيامه بعد «مخاض».

في مواجهة هذه الاحتمالات المفتوحة حربياً وسياسياً ما هي الامكانات المتاحة أمام لبنان (المحدود القدرات) للتأثير والتعديل؟ هناك مشروع وطني وافقت عليه المقاومة يتألف من سبع نقاط، وهناك مشروع أميركي - فرنسي يمثل وثيقة استسلام واذعان رفضها الجانب اللبناني (دولة ومقاومة). وهناك مشروع روسي - فرنسي (غير واضح المعالم) يدفع باتجاه وقف إطلاق النار ونشر قوات دولية (يونيفل) على الحدود بمعاونة الجيش اللبناني. وهناك مشروع أميركي (إسرائيلي) يطالب بنشر قوات دولية (متعددة الجنسية) تحت الفصل السابع قبل وقف إطلاق النار يعقبه تراجع حزب الله تمهيداً لتطبيق القرار 1559.


الصيغة المحتملة

مجلس الأمن ناقش أمس كل تلك الصيغ والأفكار والاقتراحات والمشروعات والاعتراضات اللبنانية. والسؤال ما هي الصيغة المحتمل صدورها عن مجلس الأمن؟ أن ينجح لبنان بفرض مشروعه (شروطه) على الدول الكبرى و«إسرائيل» من خلال اقناعها بأخذ تصوراته كأساس قانوني لأي قرار يصدر عن مجلس الأمن. أن يفشل لبنان في فرض مشروعه ويضطر للقبول بحد أدنى ويوافق على مشروع توافقي بين الرأي الفرنسي - الأميركي والتعديلات التي تقدمت بها الحكومة اللبنانية. أن تتدخل القوى العربية والإقليمية والدولية (روسيا والصين) لمصلحة لبنان وتعمل سياسياً وضمن نسق مشترك لحمايته من الانهيار العام واحتمال تفككه إلى دويلات طوائف.

المعلومات المتوافرة حتى الآن تشير إلى صعوبة نجاح لبنان في إصدار قرار يكون لمصلحته بالكامل. فالضغوط الأميركية تمنع مثل هذا الاحتمال في اعتبار أن واشنطن تعتبر شريكاً استراتيجياً لحكومة تل أبيب. وبما أن الولايات المتحدة تعمل لمصلحة حليفها الإسرائيلي فإن أقصى ما يمكن أن يحصل عليه لبنان قبول واشنطن بإجراء بعض التعديلات الشكلية على المشروع تحد من الاضرار الكارثية عليه ولكنها في النهاية لن تمنع من وقوعها إذا وجدت أنها تخدم «إسرائيل». فأميركا إسرائيلية مهما حاولت الظهور بمظهر المحب للبنان وبيروت. فهي مع لبنان ضد سورية مثلاً، لكنها ليست معه ضد «إسرائيل».

لبنان إذاً في وضع صعب للغاية وكل الترجيحات تشير إلى أن المشروع الدولي الذي يتوقع صدوره عن مجلس الأمن اليوم أو غداً لن يكون (مهما أدخلت عليه من تعديلات) لمصلحته إلا في حدود نسبية تضمن تخفيف الأضرار ولا تضمن احتمال وقوعها.

هذا في حال صدر القرار عن مجلس الأمن. أما في حال فشلت الدول الكبرى في التوصل إلى صيغة توفيقية بشأن القرار فمعنى ذلك أن الحرب ستتواصل وتصبح الاحتمالات مفتوحة على مخارج لا تعرف نهاياتها.

الحرب لم تنته حتى الآن. وكل الأبواب مفتوحة على احتمالات مطروحة منها معروف ومنها غير واضح المعالم. حزب الله اثبت قدرة قتالية عالية ونجح في تكبيد العدوان خسائر كبيرة ومنعه ميدانياً من تعديل الموازين على الأرض وفرض عليه تغيير خططه وتكتيكاته العسكرية. إلا أن منطق المواجهة المكشوفة إقليمياً وعربياً ودولياً يطرح السؤال أمام قدرة حزب الله في الاستمرار على الصمود الميداني مقابل مدى قدرة تل أبيب على تحمل نتائج ذاك الثبات الذي اظهرته قوات الحزب في مختلف الميادين والمواقع؟

مستقبل لبنان الآن يتأرجح بين مدى نجاح دولته (المقوضة والمشلولة) في كسب الجولة الدبلوماسية في مجلس الأمن وبين مدى نجاح حزب الله (المقاومة) في الحد من اطماع «إسرائيل» وكسر شوكتها العسكرية على أرض الجنوب.

وبين هذه وتلك مضى 32 يوماً على العدوان وحتى الآن لاتزال آفاق الحرب غير واضحة المعالم والأهداف. وهذا الغموض يكشف عن معاني تلك الإعلانات التي كشفتها تل أبيب (العثور على جنديين إيرانيين) ولندن (القبض على شبكة ارهاب دولية). فالاكتشافات الإعلامية الإسرائيلية - البريطانية تظهر الكثير من الخفايا التي تستهدفها الولايات المتحدة من وراء تلك العاصفة الكبرى التي هبت على البلد الصغير

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1436 - الجمعة 11 أغسطس 2006م الموافق 16 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً