في العام 2003 مكّن سلام باكس، وهو اسم وهمي لعراقي يدير موقع بلوغ، الملايين من مستخدمي الإنترنت من متابعة تقدم القوات الأميركية في الوقت الحقيقي من بغداد.
المجال البلوغي كان يومها يعبق بالقضايا الخلافية: هل كانت الولايات المتحدة على صواب بالذهاب إلى الحرب؟ وهل كان ذلك غزواً أم تحريراً؟
الانتباه تركز على البلوغ ليس لأنه كان يكتب بالإنجليزية - وببعض الموهبة أيضاً - وإنما لأنه لم يكن هناك أي بلوغرز عراقيين في الجوار.
الفرق مع الحرب في لبنان هو أن هناك طابوراً من السلام باكس، على الجانبين اللبناني والإسرائيلي.
هم قنوعون إلى درجة أنه تم إعداد المواقع الإلكترونية لمحاولة حصرهم لتنظيم ظهورهم وأخيراً تيسير عملية استشارتهم.
WebsterوJblogsphere على الجانب الإسرائيلي، وLebanese Blogger Forum و OpenLebanonعلى الجانب اللبناني، بينما قامت The Truth Laid Bear بدورها بإعداد جردة بالبلوغرز على طرفي الحدود بالإضافة إلى البلوغرز الفلسطينيين.
هذه المواقع تقدم أجندات دولية من المحتجين الموالين لفلسطين أو «إسرائيل»، ومعلومات عملية (أرقام هواتف للطوارئ، معلومات للاتصال بالصليب الأحمر أو بنوك الدم) وصور وأشرطة دعاية سياسية لم تنشر في الصحافة الغربية لأنها قد تكون صادمة.
مثلهم مثل المواطنين في بلدهم، تساند غالبية من الإسرائيليين تساهال (قوات الجيش الإسرائيلي) وهم خائفون خصوصاً من صواريخ حزب الله.
آخرون يدينون النظرة المتحيزة للمجتمع الدولي، لذلك فإن Israpundit يشبّه «سي إن إن» ببوق لحزب الله.
على الجانب اللبناني، عدم الفهم والغضب يسيطران على الوضع في وجه عنف القصف الإسرائيلي وعدد المدنيين الذين قتلوا (Blogging Beirut)، إلى جانب الشعور بأن «تساهال» ترغب بتدمير البلد نفسه، أكثر من حزب الله وحده (Stop destroying Lebanon).
ولكن الأكثر إثارة هو أن وراء النقد الساخر الأيديولوجي وردود الفعل العفوية بدأت تظهر أطياف بسيطة من الحوار بين مستخدمي الإنترنت من اللبنانيين والإسرائيليين، متجاهلين خلافاتهم السياسية، تراهم يستفيدون من الناحية الإنسانية، إن لم نقل الحميمة، للبلوغز للانخراط في حوار لا يستطيع الإعلام التقليدي تمكينه.
«مع وجود الإنترنت تصبح الحرب أمراً شخصياً».
رمزي، البالغ من العمر 27 عاماً يعيش في بيروت، أول ما نشر على موقع البلوغ خاصته، الذي أطلق قبل سنتين فقط، مشاهد التحديات المتعلقة بالعيش في بلد يحتله السواح إلى درجة أنه أصبح من الصعب الحصول على كرسي على شرفة مقهى.
في مطلع يوليو/ تموز ذكر حقيقة أنه أثناء الانتظار للحصول على تأشيرة دأب على إلغاء تذكرة سفره ووداع الأصدقاء.
اليوم يعلق على «العدوان الإسرائيلي» من خلال إعلانات ملأى بالفكاهة والشعر.
الكثير من الإسرائيليين كتبوا له على شكل تعليقات لإدانة «الإسراف» في هذه الحرب وللإعراب عن تعاطفهم والتمني بحل سريع للنزاع والمناشدة بالسلام بين الجيران.
رمزي يلخص ذلك في سطر واحد: «مع وجود الإنترنت تصبح الحرب أمراً شخصياً. الفضل يعود إلى البلوغز وأشرطة الفيديو للهواة المنشورة على الإنترنت وتعليقات مستخدمي الشبكة».
بالنسبة إلى ليزا غولدمان وهي صحافية كندية إسرائيلية عندها موقع بلوغ وتعيش في تل أبيب كانت تلك «المرة الأولى التي يشارك فيها مقيمون في دول «عدوة» في حوار مستمر بينما تسقط الصواريخ».
الأمثلة كثيرة، وهكذا كان أول من تجاوب مع ما كتبه مكرساً لاحتجاج ضد الحرب الأحد الماضي امرأة لبنانية تدين حال الحصار ودمار بلدها وموت المدنيين، ولكنها تضيف «بوجود شعب مثلكم سيستمر الحوار. لا خيار لدينا».
بالإضافة إلى إيجاد هذا النوع من الحوار المتمدن بين مواطنين من أمم متحاربة تخلق الإنترنت كذلك مواقف مزعجة يتم من خلالها إعلام الجيش ومن يسانده عن نتائج أعمالهم من قبل الأشخاص نفسهم الذين يتم قصفهم.
يوم الأحد الماضي كان شامار - وهو جندي من تساهال موقعه عادة على الحدود اللبنانية - عاد الى مدينته في إجازة لحضور جنازة. وقد استغل الفرصة للمشاركة في بلوغ متعاون ومحبوب جداً Lebanese Blogger، حتى يبقى على علم بما يحصل على الناحية الأخرى من الحدود «لا نستطيع رؤية كل القصف في لبنان من «إسرائيل» (طبعاً، فنحن نركز على الصواريخ في إسرائيل)».
عندما يضمحلّ الحقد
لعدة ليالٍ الآن وجدت ليزا غولدمان نفسها «تتحدث» مع رجل لبناني على الهواء قابلته من خلال البلوغ. يصف الرجل، وهو يجلس على سطح مبناه في بيروت شعوره لها بينما تتساقط القنابل الإسرائيلية على المدينة «بأسلوب إنساني شخصي لا يمكن لمقال في صحيفة أو لنشرة أخبار في محطة تلفزة أن تنقله».
بشكل أكثر عمومية، ما ينتج من هذه الحوارات من خلال البلوغز أو التعليقات الموزعة بين الإسرائيليين واللبنانيين هو شعور بفقدان القوة والحزن فيما يتعلق بهذا النزاع، على الخسائر المدنية التي تسبب بها، ويحملون الكثير من السخط على صانعي السياسة في دولهم وحلفائهم الدوليين الذين وضعوهم تحت هذا الأمر الواقع.
الأمل موجود كذلك في هذه الحوارات، فعلى رغم شعور الكثير من اللبنانيين اليوم بالحقد تجاه «إسرائيل» ويرفضون أي اتصال مع الإسرائيليين، فإن معظم هؤلاء يتواصلون على الإنترنت.
ليزا غولدمان تذهب إلى أبعد من ذلك: «عندما يختفي الغضب، قد يتذكرون الروابط الشخصية مع أعدائهم». تكتشف نفسها تحلم بمستقبل من القادة اللبنانيين والإسرائيليين الذين سيستفيدون من علاقات حميمة كهذه، وتصل إلى نتيجة أنه «ليس من السهل قتل أحد تعرفه... كبشر وليس ببساطة كأعداء سابقين».
جان مارك مناش
كاتب أميركي والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1435 - الخميس 10 أغسطس 2006م الموافق 15 رجب 1427هـ