أدى الموقف الذي اتخذه رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير من النزاع في الشرق الأوسط إلى عزله عن غالبية أعضاء حكومته وحزب العمال الذي ينتمي إليه. وفيما يتعرض بلير إلى ضغوط كبيرة للتخلي عن القيادة، قد يؤدي المأزق، في النهاية، إلى سقوطه. وفيما يقترب موعد انعقاد مؤتمر حزب العمال في فصل الخريف المقبل، يأمل كثير من الأعضاء في أن يستفيد بلير من الفرصة؛ ليحدد موعدا لتخليه عن القيادة، وهو الاحتمال الذي أشار إليه نائب رئيس الوزراء جون بريسكوت.
ويحذر بعض معارضي بلير من أنهم قد يفرضون عليه خوض منافسة على الرئاسة إذا رفض التنحي طوعا على خلفية الصراع معه حيال دعمه الحرب في العراق، ومزاعم الفساد السياسي وما اتهم به أخيرا من دعم «إسرائيل» في هجومها على حزب الله بلبنان. فالعام 2006 لم يكن - وفق كل المقاييس - لصالح بلير، من العنف المستشري في العراق وأفغانستان، إلى الصراعات الداخلية على الخيارات السياسية من الصحة والتعليم إلى الطاقة الذرية والأسلحة النووية وصولا إلى سلسلة الفضائح الحكومية.
والآن، أصبح لبنان عنواناً في قائمة التطورات التي لا تصب في صالح بلير. فلبنان هو «عراق جديد لبلير». وشمل الاصطفاف كبار قادة حزب العمال الذين انتقدوا إخفاق بلير في الدعوة إلى وقف لإطلاق النار لاحتواء جولة العنف بين «إسرائيل» وحزب الله التي بدأت عندما خطف الحزب جنديين إسرائيليين إلى الأراضي اللبنانية في 12 يوليو/ تموز الماضي.
وأعرب عدد من قادة حزب العمال عن غضبهم على تحالف بلير غير المشروط مع إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش التي لا تخفي دعمها لـ «إسرائيل» في محاولتها سحق حزب الله. وأشارت وزيرة العمل السابقة جوان رودوك الأسبوع الماضي إلى شعور بـ «اليأس» ضمن حزب العمال من مقاربة بلير للنزاع، محذرة من أن هذا التوجه قد ينعكس على مؤتمر الحزب في سبتمبر/ أيلول المقبل. وقالت رودوك: «لم أجتمع مع أي عضو في حزب العمال يوافق على استراتيجيتنا». وقالت الزعيمة البرلمانية لحزب العمال آن كلويد، المقربة من بلير والمؤيدة غزو العراق: «إن الغالبية العظمى من نواب الحزب تريد وقفاً لإطلاق النار في لبنان وتنتقد سياسة (إسرائيل)». ويصل الانقسام إلى حكومة بلير، ويبدو أنه آخذ في الاتساع. وذكر مصدر وزاري أن كبار مسئولي وزارة الخارجية، وبناء على توجيهات وزيرة الخارجية مارغريت بيكيت، حاولوا إقناع بلير بالضغط على واشنطن للقبول بوقف فوري لإطلاق النار في لبنان، لكنهم تعرضوا للصد. وفي هذه الأثناء، انتقد وزير الخارجية السابق جاك سترو عمليات «إسرائيل» العسكرية، ووصف هجومها على حزب الله بأنه «غير متكافئ». وكشف المصدر أن المعارضة لبلير ضمن الحكومة هي أوسع مما كان يعتقد، لافتاً إلى أن بعض الوزراء غير المعترضين علنا حتى الآن وجهوا رسائل إلى بلير تشدد على أنه يجب ألا يعتبر أن صمتهم يعكس تأييدا لسياسته. لذلك يتوقع أن يكون مؤتمر حزب العمال في الشهر المقبل منعطفا، سواء حيال مستقبل بلير السياسي، أم توجهات حزب العمال.
ووفق النظام الداخلي للحزب، يفترض تقديم طلب موقع من 70 عضوا بفتح الباب أمام المنافسة على الرئاسة على أن يعرض للتصويت ضمن الحزب، فإذا فاز، فسيفتح باب الترشيح لمنافسة الرئيس الممارس على منصبه.
ومن الآن حتى مؤتمر الحزب، يبدو مصير بلير مرتبطا بمصير المدنيين اللبنانيين والإسرائيليين الذين يعيشون الخوف من العنف المتنامي في منطقتهم. وإذا تبنى مجلس الأمن الدولي قرارا بوقف فوري لإطلاق النار وحلاً طويل الأجل للنزاع، فقد يساعد ذلك بلير على مواجهة معارضيه، ولكن إذا استمر تساقط القذائف وارتفاع عدد القتلى، فقد يكون ذلك المسمار الأخير في نعش قيادة بلير.
هانا سترينغ
العدد 1434 - الأربعاء 09 أغسطس 2006م الموافق 14 رجب 1427هـ