مضى 30 يوماً على حرب الغاء لبنان (دولة ومقاومة). فالمشروع الأميركي - الصهيوني يستهدف كما تشير اجزاء الصورة إلى مسح هيئة البلد الصغير وإعادة هيكلته وفق سيناريو ترى واشنطن انه يكبد الخسائر ويزيد الآلام.
شهر مضى على العدوان ولايزال مجلس الأمن يواصل مباحثاته بشأن مشروع قرار أميركي - فرنسي. وقبل ان تتوافق دول المجلس على قرار موحد بدأ التصدع يضرب جدران القوى السياسية الدولية والعربية والإقليمية.
دولياً أعلن الرئيس الفرنسي جاك شيراك في مؤتمر صحافي عاجل عقده أمس ان باريس على خلاف مع واشنطن. فالأولى تتمسك بضرورة وقف عاجل لاطلاق النار وانسحاب القوات المحتلة إلى ما وراء الخط الازرق وإدخال الجيش اللبناني بمساعدة قوات دولية تابعة للأمم المتحدة. والثانية تصر على فكرة وقف الأعمال العدوانية (العسكرية) واعطاء حق لتل أبيب بالدفاع عن نفسها وتشكيل قوات متعددة الجنسية لا تأتمر بالأمم المتحدة.
عربياً بدأت الاختلافات في وجهات النظر قبل وصول الوفد العربي إلى نيويورك. فالاتصال الذي اجرته وزيرة الخارجية الإسرائيلية بوزير الخارجية القطري اربك وحدة الموقف العربي وظهر ذاك التباين بين الدبلوماسية اللبنانية والدبلوماسية العربية في الجلسة الأولى لمجلس الأمن. الوزير القطري خلط الموضوع الفلسطيني باللبناني وادخل غزة بقانا وأهمل موضوع مرتفعات شبعا. بينما المندوب اللبناني أكد تمسك بيروت بالنقاط السبع مشيراً إلى أهمية وقف اطلاق النار وعودة الاحتلال إلى وراء الخط الازرق. هذا الاختلاف اضعف الدبلوماسية اللبنانية وأعطى ذريعة للمندوب الإسرائيلي بالتهجم على الموقف اللبناني مهملاً في رده كلام الدبلوماسي العربي.
إقليمياً تبدو الأمور تراوح مكانها. حكومة ايهود أولمرت التي انتظرت اشارة خضراء لتوسيع هجومها البري، وصلتها أمس الاوامر من واشنطن قبل التوافق على مشروع قرار دولي. فأميركا استعجلت الموقف لتطويق خلافها مع شيراك ميدانياً واعطت إجازة المرور للغزوالبري قبل تشكيل الغطاء القانوني.
الى ذلك ترفض تل أبيب البحث في موضوع مرتفعات شبعا فهي تقول انها لا تريد تقديم هدية مجانية لحزب الله وترى ان المشكلة بين لبنان وسورية ولاعلاقة لها بتل أبيب. بينما سورية تؤكد اعلامياً بان المرتفعات لبنانية وعلى بيروت ان تبحث المشكلة مع تل أبيب. وبين كلام يقول إن المرتفعات مشكلة لبنانية - إسرائيلية وكلام مضاد يؤكد أن المشكلة لبنانية - سورية ضاعت المسألة في أروقة الأمم المتحدة.
تصدع المواقف
حتى اليوم لاتزال الأمور مبهمة عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً. فمن الناحية العسكرية حكومة أولمرت مترددة في تحديد العمق الجغرافي لتوسيع هجومها البري وغير مستعدة للقبول بفكرة إرسال الجيش اللبناني إلى الجنوب قبل تحقيق خطوات ميدانية. وسياسياً تل أبيب حائرة بين قناعة تشكلت عند أولمرت بوجوب الاتصال بدمشق وطلب مساعدتها في حل الازمة وتسويف أميركي - فرنسي بعدم إجراء ذاك الاتصال حتى لا تتكرر اخطاء العام 1976. كذلك تل أبيب مترددة بين طموح واشنطن في توسيع رقعة الحرب وجرجرة أطراف إقليمية إلى دائرتها وبين ضعف الجيش الإسرائيلي وعدم قدرته الميدانية واللوجستية على مواجهة اضافات عسكرية في معركته الحالية التي أخذت بعداً توسعياً.
دبلوماسياً أيضاً تبدو الأمور ليست على ما يرام. فالرئيس شيراك يقول إنه على خلاف مع الرئيس جورج بوش وهناك احتمال بفك شراكته معه والعمل على صوغ مشروع قرار فرنسي - روسي آخر. والرئيس الأميركي يرفض من جانبه إدخال تعديلات جذرية على المشروع الثنائي (الفرنسي - الأميركي) ترضي الطرف اللبناني وتغضب حليفه الإسرائيلي. وبين فرنسا وأميركا واحتمال دخول روسيا بقوة على خط الدبلوماسية الدولية اشار شيراك إلى احتمال تأخر صدور القرار الدولي نحو أسبوع.
أسبوع إضافي
أسبوع إذاً للدبلوماسية. وهذا يعني سياسياً اعطاء تل أبيب فرصة أسبوع للدك والتحطيم واستكمال مشروع مسح هيئة لبنان من «خريطة الشرق الأوسط الجديد». فالموضوع العسكري بات يضغط على كل الأطراف وكل يوم يمر هناك ضحايا بالعشرات ومعارك كر وفر في القشرة (الحدود) الدولية التي اعطيت الأوامر بتوسيعها. فتل أبيب تخوض كما قال شيمون بيريز «حرب حياة أو موت» وبالتالي فإنه لن يقبل حتى بتقديم انتصار معنوي لحزب الله. وحزب الله يؤكد أنه صامد على الأرض ويكبد القوات الغازية خسائر فادحة لا تستطيع حكومة أولمرت تحملها إلى فترة طويلة. ودمشق مترددة بين انتظار ذاك الاتصال وطلب مساعدتها في حل الازمة وبين احتمال توسع نطاق الحرب إلى حدودها وحشرها في زاوية سياسية حادة. وطهران بدورها منهمكة بموضوع الملف النووي والانذار الذي وجهه مجلس الأمن لها بشأن تقديم جواب نهائي قبل 31 اغسطس/ آب.
31 اغسطس يبدو أنه الموعد السحري. فالكل ينتظر ذاك اليوم. ومختلف القوى الدولية والإقليمية تفضل عدم الاسراع في اتخاذ خطوات حاسمة قبل انقشاع غبار الحرب (العدوان) على لبنان. أميركا لا تريد تقديم تنازلات لطرف تتهمه بانه على علاقة استراتيجية بإيران. وتل أبيب لا تريد الظهور امام العالم بانها دولة ضعيفة غير قادرة على الدفاع عن حدودها ومصالحها. ودمشق أيضاً تميل إلى الانتظار حتى لا تنزلق إلى مكان لا تريده ولم تخطط مسبقاً له. وطهران تراقب المشهد الإقليمي وتقوم بوزن الاثقال وأخذ المقاسات تمهيداً لترجيح موقف أو إعادة النظر بحسابات راهنت عليها.
هذه المواقف الانتظارية تكشف عن وجود تصدع في الجبهات السياسية والدبلوماسية والعسكرية، الأمر الذي يفسر قول الرئيس شيراك إن مسألة المفاوضات طويلة وقد تستغرق نحو أسبوع قبل التوافق على صدور قرار دولي بشأن لبنان والعدوان الإسرائيلي.
إذاً على لبنان الانتظار. وبين تصدع المواقف والانشطار الأهلي/ السياسي الداخلي بات البلد الصغير ساحة مفتوحة للتجاذبات الدولية والإقليمية. والساحة كما يبدو كانت بحاجة إلى مسرح لإعادة تمثيل المشهد ودراسة الموازين والمعادلات. وهذا ما يحصل من دون توقف منذ 12 يوليو/ تموز الماضي
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1434 - الأربعاء 09 أغسطس 2006م الموافق 14 رجب 1427هـ