تتناول الصحافة البريطانية باهتمام تطورات العدوان على لبنان، في قراءة لتداعيات هذه الحرب على المنطقة وعلى لبنان. ولاحظت أن الرأي العام الإسرائيلي والمؤسسة العسكرية هما وراء التشدد الإسرائيلي وقرار عدم وقف العدوان، فيما أكدت الغالبية أن المعركة خاسرة، وان السلام الحقيقي والاستقرار لن يتحققا عبر حمامات الدم.
في التقرير الذي أوردته «تايمز» تحت عنوان: «كيف تحطمت آمال وقف إطلاق النار على صخرة الرأي العام الإسرائيلي»، أكدت فيه أن الحكومة الإسرائيلية تعرضت لانتقادات كثيرة من اليمين واليسار على حد سواء بعد الإعلان عن الوقف المؤقت للطلعات الجوية على لبنان. وركزت على دور وسائل الإعلام في التشدد الإسرائيلي من العمليات ضد لبنان، مشيرة إلى أن الغالبية الساحقة من الرأي العام الإسرائيلي مازالت تدعم الهجوم، إذ تتراوح نسبة هذا التأييد ما بين 80 إلى 95 في المئة. فالإسرائيليون يرون في هذه الحرب مواجهة مع حزب الله «الذي عقد العزم على القضاء على الشعب اليهودي بكامله!».
الـ «ديلي تلغراف» في افتتاحية بعنوان: «جنرالات (إسرائيل) غاضبون من توجه أولمرت لضبط النفس»، أشارت إلى ان قراره تعليق الغارات الجوية على لبنان 48 ساعة أصاب كبار الضباط في القيادة الشمالية بدهشة بالغة، بعدما علموا بالقرار من الصحافيين. وأكدت الدور الكبير للإعلام الإسرائيلي في الضغط لاستمرار الحرب، معتبرة أنه في ظل هذا الضغط الداخلي على أولمرت، من جنرالاته ومن الرأي العام الراغب في القضاء على حزب الله، وفيما يكاد ينفد الوقت الذي منحته إياه واشنطن، فالأرجح أن لا يتردد أولمرت بعد الآن في إعطاء أوامره بالقيام بهجوم بري واسع المدى.
«الإندبندنت» من جانبها نشرت تقريراً بعنوان: «الشرق الأوسط... ماذا بعد؟»، طرح خمسة احتمالات للحرب. الأول هو التوصل إلى انسحاب إسرائيلي أحادي الجانب وهدنة هشة، يعلن فيها حزب الله نصره ويمضي في بناء قدرته كقوة عسكرية، معلناً إلحاق الهزيمة بآلة الحرب الإسرائيلية مرتين، وستخرج «إسرائيل» خاسرة على رغم أنها ستدعي أنها قوضت البنية التحتية لحزب الله، ولكن ذلك سيكون على حساب سمعتها الدولية. لكنها استبعدت هذا الاحتمال في ظل الخسارة الجسيمة التي ستمنى بها كل من «إسرائيل» والولايات المتحدة.
الاحتمال الثاني هو تسوية دبلوماسية تدرك فيها «إسرائيل» أنها دخلت حربا لا يمكن تحقيق النصر فيها، فتلجأ إلى الأمم المتحدة لحفظ ماء وجهها وإرسال قوات دولية إلى الحدود، وفي هذا الإطار ستدعي الولايات المتحدة و«إسرائيل» أن تكتيكاتها أحرزت نصراً، بينما يخرج اللبنانيون خاسرين بسبب تدمير بلدهم. وهو احتمال تراه الصحيفة ممكنا، لاسيما أن «إسرائيل» لا ترى في الحل العسكري أي جدوى.
أما الاحتمال الثالث فهو وقوع «إسرائيل» في شرك الاشتباكات المتواصلة مع حزب الله الذي اعتاد على مثل هذه التجارب القتالية، ما يشجعه على تجنيد المزيد من المقاتلين، والنتيجة المرتقبة لذلك هو انتصار ما تسميه «محور الشر»، من وجهة النظر البريطانية والأميركية، أي حزب الله وإيران وسورية، في حين يبقى الخاسر «إسرائيل»، ولم تستبعد هذا الاحتمال إذا ما فشلت دبلوماسية رايس.
أما الرابع فيكمن في سقوط الحكومة اللبنانية، إذ إن التدمير الذي يلحق بلبنان يضعها تحت ضغوط جمة، ويقوي شوكة حزب الله. وبالتالي فإن عودة النفوذ السوري إلى الساحة اللبنانية يصبح أمرا محتوماً، والأسوأ تحويل الجنوب إلى قبلة للمقاتلين من الخارج وستخرج سورية و«إسرائيل» رابحتين من الناحية العسكرية بينما يمنى الشعب اللبناني وحزب الله بالخسارة. ولم تستبعد هذا الاحتمال إذا ما استمر التحرك العسكري الإسرائيلي. أما الاحتمال الأخير فهو غزو «إسرائيل» للبنان، الأمر الذي يحشد الإسرائيليين والعالم أجمع ضد هذا الغزو لاسيما أن «إسرائيل» ستكون المعتدية وليست الضحية. وتجزم «الاندبندنت» أن هذا الاحتمال غير وارد في ظل الضغوط التي ستمارس على «إسرائيل».
في الـ «ديلي تلغراف» اعتبر باتريك بيشوب أن ما يشهده لبنان في الحقيقة حرب تشنها «إسرائيل» نيابة عن أميركا، وحزب الله نيابة عن إيران. وأكد أن العنف الإسرائيلي المتزايد لن يزيد إلا في كراهية «إسرائيل» وأميركا مهما قدمت الأخيرة من مساعدات، ما دامت تسمح للقتل أن يستمر. واستنتج ان السلام الحقيقي والاستقرار لن يتحققا عبر حمامات الدم، مشدداً على أن الحل الحقيقي يقتضي أن تنظر الولايات المتحدة إلى الحقوق والطموحات الإسرائيلية على قدم المساواة مع الحقوق والطموحات العربية، وهو المفتاح الصحيح لميلاد الشرق الأوسط الجديد
العدد 1432 - الإثنين 07 أغسطس 2006م الموافق 12 رجب 1427هـ