أفضل ما تم إنجازه في البحرين خلال الأعوام الأخيرة هو إلغاء قانون أمن الدولة سيئ الصيت الذي أدخل البلاد في نفق مظلم لعقود. ويعد بحق أهم إنجاز، ويحسب للمعارضة محاولتها الدؤوبة لإسقاطه، فلا أحد يتنكر ما آل إليه الوضع الأمني بعد رحيله، إذ عاشت البحرين عصراً ذهبياً وخصوصاً بعد إطلاق سراح المعتقلين وعودة المنفيين والمشردين من الخارج، ولكم تمنينا أن يكون ذهاباً من دون عودة وفراقاً من دون وداع، ولكن لو فكرنا لبرهة فيما يجري حالياً على ساحة الحريات العامة في البحرين بعد التحولات اللاحقة وبعد تشكيل المؤسسات الدستورية التي كانت على رأس المطالب ابان انتفاضة التسعينات، لوجدنا أن الغلبة تحققت للناس وبدأت الفرحة من جديد تعم البيت البحريني وأعراس سياسية عجت بها شوارع البحرين، بإسقاط قانون أمن الدولة لسوئه ولانتقاصه من إنسانية الإنسان ولتقييده الحريات العامة، إلا أنه يعود للوجود الآن، فهو لم يمت ولم يعدم قانون أمن الدولة ولم يستطع أحد أن يحكم عليه بالسجن المؤبد، كما أنه لم يفارق الحياة ولكنه فارق البحرين هنيئة من أجل أن يتشافى ويتعافى ويكون أقوى مما كان عليه في الفترة السابقة! فقد كتب عليه أن يجرى له عملية جراحية بغرض تغيير شكله ليتمكن من العودة مجدداً، فهو الآن موجود بشكل مجزأ لأسباب أمنية تأمن له على وجوده وبحلة جديدة وبشكل يختلف في الشكل الخارجي فقط ولكن المضامين واحدة والهدف منه واحد ولكن بإصدار جديد يتناسب مع عصر الإصلاحات. قانون أمن الدولة بثوبه الجديد باختصار شديد يعني حزمة من القوانين المقيدة للحريات والتي جاءت على دفعات، واحداً تلو الآخر، عبر مسلسل زمني مبرمج ومخطط له بدأ بقانون الجمعيات السياسية واستمرت حلقاته عبر قانون التجمعات والإرهاب ومباشرة الحقوق السياسية والجنسية والتصويت الالكتروني وغيرها من القوانين التي سترد علينا في مستقبل الأيام، فهناك سيل غزير لا ينضب من القوانين لتساوي في كتلتها قانون أمن الدولة أو ربما تزيد عليه قليلاً فالقادم أسوأ.
لا شيء يأتي من قبل الحكم هكذا جزافا، كما أنه ليس من السهولة بمكان أن تتنازل عن قانون استطاع من خلاله أن يحكم قبضته الحديد على المعارضين على امتداد سنوات من دون البحث عن بديل يعوضه عن الخسائر التي مني بها، والبديل لابد أن يكون رديفاً مماثلاً لما تم التنازل عنه كتكتيك أو يكون أفضل من سابقه. الظروف على الأصعدة كافة لا تيسر القيام بعمل كهذا بشكل مفاجئ، فالحس السياسي والأمني لايزال موجوداً، بل هو في تصاعد مستمر، وكان على الحكم أن يفكر ملياً في كيفية التعويض عن خسارته بعد رحيل قانون أمن الدولة بشكل هادئ رصين، وبتدرج منطقي يسمح له بتمرير ما يمكن تمريره من دون الإضرار بما تحقق له من مكاسب وإصلاحات، فتوصل إلى خطة مبرمجة ووفق جدول زمني مدروس لتمرير حزمة القوانين التي هي في مجموعها تساوي قانون أمن الدولة، وبذلك ترجع إليها عزتها وكرامتها بانتصارها على المعارضة من جديد، «فالعود أحمد» ولن يطول الانتظار. قانون أمن الدولة الجديد في حلته القشيبة شرع في المجلس الوطني وبموافقة نواب الشعب وحكمائه وعلمائه وخبرائه، بمعنى آخر جاء بشكل انسيابي بمنتهى الهدوء، والأهم من ذلك كونه شرعياً غير مجهول الأبوين، كما أضفيت عليه صفة الشرعية لأنه أخذ الشكل الطبيعي في إقراره والتصديق عليه. لقد ضحك علينا من قبل الحكومة ونوابنا الكرام من خلال صفقات سياسية لمصالح وأولويات شخصية لا تمثل الشارع بكل تضحياته، فبدلاً من حكومة تبحث ليل نهار في سبل توفير الحياة الكريمة لمواطنيها نجد أنفسنا أمام حكومة تفكر ليل نهار في السبل التي ترجع لها عزتها وكرامتها ومجدها من جهة، والحد من الحريات العامة التي يتمتع به المواطن البحريني حتى يعيش بقية عمره مختنقاً يعاني العوز والفاقة والحرمان، ولا يقوى على المطالبة بحقوقه الطبيعية. وعلى الضفة الأخرى النواب، فبدلاً من التفكير في كيفية تعزيز الوضع الاقتصادي للمواطن البسيط الذي ينهكه البحث عن السبل الممكنة لتأمين حياته وتعزيز وضعه المادي، في المقابل نجد النواب لا يفكرون سوى في أنفسهم بتوفير إقرار تقاعدهم حتى لا يعود إلى أصله بعد انقضاء مدته في المجلس النيابي، والعودة إلى ما كان عليه وحتى لا يرميه الناس بالطماطم الفاسدة فكر جاهداً في سبيل وضع القوانين التي تحد من التفكير أصلاً في أمر كهذا، من خلال قوانين تحاسبهم على نواياهم حتى، تبقى أن نقول: «والله ما قصرتون يا حكومة ويا نواب... رايتكم بيضاء ما قمتم به كان أكثر مما هو مطلوب منكم»
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1432 - الإثنين 07 أغسطس 2006م الموافق 12 رجب 1427هـ