العدد 1431 - الأحد 06 أغسطس 2006م الموافق 11 رجب 1427هـ

تدويل العدوان

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

27 يوماً مضت على العدوان الأميركي - الصهيوني على لبنان، وحتى الآن لاتزال معارك الكر والفر بين المقاومة وارتال الجيش الإسرائيلي تدور على القشرة (الحدود) اللبنانية بما فيها تلك الجيوب والاختراقات التي حصلت في بعض المناطق.

«التوازن السلبي» لايزال يشكل سقفاً للصراع وهذا يعني ان تل ابيب لم تحقق اهدافها التي أعلنت عنها. وكذلك نجح حزب الله في منع حكومة إيهود أولمرت في الوصول إلى الغايات التي أفصحت عنها علناً.

هذا الواقع الميداني لم تأخذه الدول الكبرى في الاعتبار حين ناقشت مشروع القرار الدولي الذي تخطط لاصداره عن مجلس الأمن. فالدول الكبرى وتحديداً الولايات المتحدة وبريطانيا (ومن ثم فرنسا) لا تعترف بالمقاومة وشرعية حزب الله، ودوره في المعادلة اللبنانية. وهذه الدول الفاجرة في رؤيتها للتوازنات ، وهي رؤية تعتمد ازدواجية فاضحة في المعايير، لم تنظر إلى الوقائع الميدانية أساساً لصوغ فقرات مشروع القرار انطلاقاً من قناعات مسبقة تصنف حزب الله مقاومة غير لبنانية وبالتال غير شرعية. وهذا الالغاء لموقع المقاومة أدى إلى تفاهمات دولية تعتمد قراءة خاصة لمجرى الصراع الدائر في الساحة اللبنانية. فالمشروع يريد عزل الدولة عن المقاومة، بهدف تحطيم حلقة الكيان ثم الانفراد بحرب استنزاف طويلة مع حزب الله ربما تمتد إلى لحظة فتح الملف الإيراني في 31 أغسطس/ آب الجاري.

الدول الكبرى تنطلق من نظرية رسمية (وهمية) وهي ان المعركة دائرة بين دولتين عضوتين في الأمم المتحدة. وهناك دولة هزمت دولة وسحقتها وقوضتها وباتت «إسرائيل» في موقع الأقوى بينما لبنان أصبح على قاب قوسين من الانهيار العام وهناك احتمال بتفكك كيانه السياسي وتشرذمه إلى دوائر ومناطق.

من هذه الزاوية الرسمية الضيقة قرأت الدول الكبرى معادلة الصراع القائمة وتلك الحرب الدائرة على أرضه. ولهذا لم تكترث لنتائج المواجهة الميدانية ولم تأخذ بها كمعطيات جديدة لها وزنها واعتبارها في قرارات دولية تصدر عن منظمة شرعية. لبنان الدولة هو المعترف به في الأمم المتحدة والدولة تمثل لبنان في نظر الشرعية الدولية وغير ذلك مسألة خارج السياق ويخضع لحسابات أخرى لا تتصل بالشرعية اللبنانية. فالشرعية الدولية تعترف بالدولة (المقوضة والمشلولة)، ولكنها لا تعترف بشرعية المقاومة (حزب الله).

هذا هو المنطق الدولي الذي اعتمدته الدول الكبرى حين ناقشت بنود مشروع القرار. وهذا المنطق ألغى الحقوق والحق والعدالة والمقاومة من حساباته عندما توافقت الولايات المتحدة وفرنسا على نص قرار (كارثة) ترى انه يعكس موازين القوى التي وصلت إليها أوضاع الدولتين في الحرب المشتعلة منذ 12 يوليو/ تموز الماضي. وبناء على هذه الرؤية توافقت الدول الكبرى على تفسير يشير إلى ان الدولة اللبنانية انهزمت في الحرب وباتت في موقع الضعيف، ولا يحق لها فرض شروطها (النقاط السبع) على مجلس الأمن. بينما تعتبر دولة «إسرائيل» فازت عسكرياً حين نجحت في تحطيم البنى التحتية وطرد نحو مليون نازح من قراهم ومناطقهم ومدنهم.

وتحت ستار دولة ضد دولة توصلت الدول الكبرى إلى مشروع قرار يعكس موازين القوى بين لبنان و«إسرائيل» ورأت ان التطورات لا تعطي الحق للحكومة اللبنانية بأن تفرض برنامجها في وقت لم يشارك جيشها في القتال أو الدفاع عن أرض الدولة وشعبها. فلو دخل الجيش ميادين القتال لكان بإمكان مجلس الأمن أخذ هذه الواقعة في الاعتبار. وبما ان جيش الدولة لم يقاوم ويدافع ويتصدى فان دول مجلس الأمن وجدت في هذا الأمر هزيمة لمشروع الدولة. وغير ذلك تضعه الدول الكبرى في حسابات أخرى غير لبنانية. ولهذا السبب كانت تل ابيب وواشنطن ولندن تصر منذ اليوم الأول للعدوان على تكرار تهمة ان حزب الله ينفذ خطة حرب غير لبنانية ولمصلحة سورية وإيران.

وهذه التهمة الملفقة تحولت عند دول مجلس الأمن الكبرى إلى فرضية قانونية استخدمتها لتزوير الحقائق والطعن في مشروعية المقاومة وشرعية حزب الله ولبنانيته. وبناء على هذه التهمة المزورة رفضت الدول الكبرى الأخذ بالافكار اللبنانية (سلة فؤاد السينورة) واسقطت معظم البنود السبعة من حساباتها حين راجعت فقرات مشروع القرار.


كارثة سياسية

مشروع القرار الدولي الذي تقدمت به الولايات المتحدة وفرنسا إلى مجلس الأمن يعتبر كارثة سياسية «جوية» لا يسلم منها لبنان ابداً. والملاحظات التي رفعتها الحكومة اللبنانية والتعديلات التي طالب بها رئيس مجلس النواب صحيحة ويجب العمل على ادخالها قبل ان يتحول إلى قرار دولي يقضي على ما تبقى من مقومات الكيان اللبناني.

اليوم يصل وزراء الخارجية العرب إلى بيروت لاعلان التضامن والدعم وتأييد الجمهورية اللبنانية. وهذه مناسبة للدولة ولمختلف القوى الفاعلة على الأرض في الهيئات التشريعية والتنفيذية ان تتحرك بسرعة وتقوم باتصالات دولية وخصوصاً مع روسيا والصين والطلب إلى فرنسا وكل القوى الصديقة في مجلس الأمن بالعمل سوية على منع صدور القرار في صيغته الحالية. كذلك يمكن ان تتصل الدول العربية وتستخدم نفوذها وصداقاتها مع موسكو مثلاً أو بكين أو حتى باريس لحثها على استخدام حق النقض (الفيتو) في حال عاندت واشنطن في موقفها واصرت على تمرير المشروع وتحويله إلى قرار دولي. فالوقت لم يفت ولبنان مدعوماً من وزراء الخارجية العرب يملك من الحضور الدولي والعلاقات والاتصالات التي تعتبر الآن مهمة للغاية لتعطيل صدور القرار ومنع الولايات المتحدة من تمريره.

المشروع إذا تحول إلى قرار دولي يعني فعلياً ان مجلس الأمن وافق على تحويل لبنان إلى ساحة حرب مفتوحة واعطى شرعية للعدوان الإسرائيلي عليه. فالقرار يشرع العدوان ويدول الحرب ويعطي ذريعة لحكومة أولمرت باستخدام كل ما لديها من قوة تدميرية لتحطيم الكيان وتفكيكه إلى مقاطعات يحكمها زعماء طوائف وامراء حرب مضافاً إليها ساحات (لبنانات) تتحكم بها منظمات مسلحة خارجة على القانون.

الهدف من هذا المشروع هو الغاء لبنان فعلياً من خلال تقويض دولته وكيانه ونقل تجربة العراق إليه (الفوضى البناءة). وهذا الهدف يعتبر مؤامرة دولية على بلد انكشف عربياً واقليماً وترك يتخبط وحده بينما ارضه اعطيت مساحة للقتال والحروب الدائمة التي يرجح انها لن تتوقف عند حدوده وابوابه.

المعركة ليست ميدانية فقط وانما هي سياسية ودبلوماسية ووجودية. وإذا لم تعترف الدول الكبرى بتلك النجاحات التي حققها حزب الله في الميدان القتالي (الحربي) فانها على الاقل يمكن ان تعترف بدور ما للبنان (الدولة) وما له من موقع ومكانة وعلاقات واتصالات بدءاً من الدول العربية التي يجتمع وزراء خارجيتها اليوم في بيروت وانتهاء بكل جالياته ورموزه وعلاقاته الدولية شرقاً وغرباً. فالوقت لم يفت وهناك امكانات متوافرة للتدخل وتعديل فقرات المشروع قبل ان يتحول إلى قرار دولي يصدق عليه مجلس الأمن.

ومن الآن وحتى يقضي الله امراً كان مفعولاً يمكن اليوم وبعد مرور 27 يوماً على العدوان ان نفهم اسباب هذا الحقد والكراهية التي شهدها البلد الصغير في حرب التقويض التي قادتها حكومة أولمرت. فهذه الحكومة لم تترك بقعة إلا ودمرتها حتى لو كانت بعيدة أكثر من 200 كلم عن مناطق المعارك الميدانية. والهدف من حرب الدمار الشامل لكل البنى التحتية كان توجيه رسالة واضحة للدول العربية وللمحور الثنائي السوري - الإيراني بأن هذا البلد في صيغته السياسية الراهنة لامكان له في الخريطة. فهو موجود بحكم الواقع ولكنه غير موجود فعلاً. فالدولة هي الرمز وحين تختفي الدولة من الصورة وحين يتخلف الجيش عن لعب دوره يصبح الواقع (المهشم والمحروق) هو البديل الشرعي عن مشهد رسمي اخذ يتلاشى عن الشاشة الدولية والعربية والاقليمية.

القرار إذاً خطير في استهدافاته البعيدة المدى. اما استهدافاته القريبة المدى فهي تقوم على اعطاء شرعية للعدوان الإسرائيلي وتقدم ذاك الغطاء الدولي لحكومة أولمرت لممارسة ما يمكن تسميته بسياسة «الأرض المحروقة». وهذه السياسة في حال اكتسبت شرعية دولية يصبح بالامكان القول إن الحرب مفتوحة وممتدة ولبنان «كان في الزمان يا مكان»

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1431 - الأحد 06 أغسطس 2006م الموافق 11 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً