بالأمس أصبح حادث غرق بانوش الدانة الشغل الشاغل للناس... عدد الركاب فاق كل احتمالات البانوش فرمى بمن في بطنه في البحر بين قتيل وغريق ومصاب. وبدءاً من تلك اللحظة بدأت الإجراءات تتجه نحو التشديد على البوانيش، بل لم يعد بإمكان البوانيش التي طالما حملت معدلات فوق العادة إلى عرض البحر أن تكرر ما حدث. ولعل الغرقى الذين حكم عليهم بالموت في عرض بحر المملكة كانوا فاتحة خير لتنظيم حركة سير البوانيش!
واليوم نحن أمام حادثة مماثلة، راح ضحيتها أجانب كما في بانوش الدانة. ففي ساعات الصباح الأولى من أمس الأول، استيقظ 51 آسيوياً تحت سياط النيران، ونظراً إلى عدم وجود مخرج - كما في المباني الطبيعية - اضطروا إلى المكوث علَّ وعسى أن تصلهم النجدة قبل أن تصلهم النيران، ولكنهم قضوا نحبهم بدخان النيران، ونجا 11 عاملاً من الحادث حاملين معهم ذكرى لن تنسى أبداً، فيما تفحم عامل آسيوي بنيران المبنى.
إن ما حدث في مبنى القضيبية هو مجرد مثال بسيط يشرح المأساة الحقيقية التي يعيش معها العمال الآسيويون، إذ يضطر أكثر من عشرة عمال إلى السكن في غرفة لا تصلح لسكن أكثر من 5 أفراد، وفي الطابق الواحد الذي يحوي أكثر من غرفة، يتشارك العشرات في حمام واحد، ومطبخ أشبه بالخرابة، ولنتخيل وضع المبنى ووضع الساكنين وقاطني المنطقة الذين يغدون عرضة للأمراض جراء الخراب الذي يطول كل مرافق المبنى، وهو أمر طبيعي إذا ما قارنا الوضع بعدد الساكنين.
وهناك كثير من المباني التي يضطر فيها «الفري فيزا» إلى السكن بالعشرات فوق الطح، يفترشون الأرض وينامون نوم الموتى بعد الرجوع من عمل يوم شاق... التساؤل الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: أين هي الجهات السؤال مما يجري؟ أين وزارة العمل؟ أين وزارة الداخلية؟ وأين هو دور المجالس البلدية المعنية بتنظيم العملية؟
ولعل بعض المجالس البلدية، سعت إلى إيجاد حل لمشكلة ما يعرف بـ (سكن العزاب) ولكن هذا المشروع لم يقدر له أن يرى النور حتى اليوم، فهل يكون موت العمال الآسيويين واحتراقهم بالنار فاتحة خير لبقية العمال؟ وهل سيكون ذلك مدعاة لإصلاح الخلل من مناطق الخلل؟ نتمنى أن يكون ذلك وأن تعي الجهات المعنية ضرورة التحرك سريعا قبل أن تقع حوادث أليمة أكثر، وإخماد النار في بدايتها أسهل بكثير من إخمادها حين يستشري لهيبها في كل مكان. الأهم من ذلك كله، هل يأتي اليوم الذي نتخلى فيه عن سياسة الترقيع؟ ربما، وربما ننسى حادثة بناية القضيبية وتمسي مجرد ذكرى من الذكريات الأليمة..
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الملا"العدد 1430 - السبت 05 أغسطس 2006م الموافق 10 رجب 1427هـ