ساهم موقف رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير من الأزمة اللبنانية في تعميق الانقسامات داخل حزب العمال الذي يتزعمه وزاد من إضعاف سلطته كما سرع من إمكان رحيله عن السلطة. وفي الوقت الذي يعمل فيه بشكل حثيث للاتفاق على قرار للأمم المتحدة لحل الصراع رفض بلير من البداية الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار أو التشكيك في رد «إسرائيل» العسكري على مقاتلي حزب الله متفقا بذلك مع سياسة الولايات المتحدة. وكان بلير قال انه لن يرشح نفسه في الانتخابات القادمة المتوقعة في العام 2009 كما حث كثيرون من أنصار حزب العمال رئيس الوزراء البريطاني على الاستقالة عاجلا وليس آجلا بسبب شعورهم بالقلق من تأثير تراجع شعبيته على احتمالات الحزب الانتخابية.
وقال أعضاء في الحزب ومحللون إن تحركات بلير خلال الأزمة التي دخلت يومها الرابع والعشرين ساهمت في تجنيد مزيد من الأعضاء لصالح هذا المعسكر المتمرد عليه. وقالت عضوة البرلمان عن حزب العمال والوزيرة السابقة جوان رودوك لـ «رويترز»: «أعتقد أن هناك قلقا شائعا للغاية داخل حزب العمال وداخل البلاد». وأضافت أن الصراع الحالي ساهم في زيادة حدة «الشقاق» بين بلير وبعض المشرعين. وقالت «أرى أن السياسة قد وجهت بالكامل بالضرورة التي يدركها هو للوقوف جنبا إلى جنب مع الرئيس الأميركي جورج بوش». كما ساهم الغضب ازاء الأزمة اللبنانية في زيادة القلق داخل حزب العمال والدولة بخصوص تأييد بلير للحرب التي قادتها الولايات المتحدة على العراق والتي يعتبرها البعض أكبر أخطاء فترة رئاسته للوزراء.
وأظهر استطلاع للرأي أعدته مؤسسة «ابسوس ام. أو. ار. اي» تراجع التأييد الشعبي له إلى أدنى معدلاته منذ أتى إلى السلطة في العام 1997.
وقال 67 في المئة من الذين شاركوا في الاستطلاع إنهم غير راضين عن الطريقة التي يؤدي بها بلير وظيفته. ولم يعد بلير بحاجة إلى الفوز في انتخابات غير أن موقفه ربما يقرر الفترة التي سيقضيها في السلطة ومدى سهولة نقل السلطة إلى خليفته المنتظر وزير المالية جوردون براون وارثه السياسي. ويواجه بلير الذي يستعد للسفر لقضاء عطلة حزب العمال الذي يتزعمه خلال مؤتمره السنوي في سبتمبر/ أيلول المقبل إلا إذا دعي البرلمان للانعقاد وهو غير محتمل. وبحلول ذلك الموعد قد ينتهي القتال بين «اسرائيل» وحزب الله وقد يتم التوصل إلى تسوية دائمة. كما قد يتراجع القلق داخل حزب العمال بخصوص طريقة تعامل بلير مع الأزمة.
غير أن بعض المحللين وأعضاء بحزب العمال قالوا إن المعارضة لتأييده الشديد للرئيس الأميركي وما يصفه بعض المنتقدين بطريقته «الرئاسية» في إدارة السياسة قد أصبحت أكثر ترسخاً.
واختلف أحد الوزراء بحكومة بلير معه وأدان أعمال «إسرائيل» واعتبرها «غير متناسبة». وقالت صحف بريطانية إن وزراء آخرين شككوا بشكل غير معلن في سياسة بلير. وقال أستاذ السياسات بجامعة ورويك وين جرانت «تسبب ذلك له في كثير من الأضرار حتى بين بعض الذين ينظر إليهم عموماً على أنهم موالون لبلير.» وأضاف «هذه الأمور تراكمية... كلما استمر ذلك زاد إمكان الرحيل المبكر لبلير». وتتوقع الغالبية داخل حزب العمال أن يسلم بلير زمام الأمور بالحزب إلى براون في العام 2007 أو 2008. وقال جرانت إن الغضب داخل حزب العمال بخصوص أزمة الشرق الأوسط قد يجعل الأمر الآن أكثر صعوبة بالنسبة لبلير للصمود حتى 2008 كما ألمح بعض الموالين له.
وقال عضو البرلمان ايان ديفيدسون المعروف بانتقاده المتكرر لبلير إن الكثيرين داخل الحزب يريدون من بلير أن يحدد موعدا لرحيله خلال مؤتمر الحزب. وكان هذا التجمع السنوي للحزب ينطوي على مصاعب كبيرة دائما لبلير وقال ديفيدسون إن أزمة الشرق الأوسط قد تقدم لمنتقديه شيئاً جديداً يلتفون حوله. وقال «هناك شعور قوي للغاية بأننا في الأيام الأخيرة للنظام». وأقر بلير أمس الاول بوجود قلق داخل حكومته وداخل البرلمان والدولة إزاء سياسته بالشرق الأوسط. غير أنه عبر الاعتقاد الذاتي الذي كان عماد رئاسته للوزراء وخصوصاً سياسته الخارجية أعرب بلير عن ثقته في أنه يفعل الصواب.
وقال كاتب السيرة الذاتية لبلير، أنتوني سيلدون «عندما يقتنع بأنه على صواب فهو يكون صلبا بشكل مطلق». وقال سيلدون إن رفض بلير الاستسلام لمنتقديه يظهر قوته. ويعتقد آخرون أن بلير قد فقد صدقيته بالداخل والخارج وذلك عبر انحيازه التام لبوش. وكتب سفير المملكة المتحدة السابق إلى موسكو رودريك بريثوايت في صحيفة «فاينانشال تايمز» أمس الأول «التطابق الكامل لآراء بلير مع البيت الأبيض قد أتى على نفوذه في واشنطن وأوروبا والشرق الأوسط نفسه...»
العدد 1429 - الجمعة 04 أغسطس 2006م الموافق 09 رجب 1427هـ