الحرب المفتوحة على لبنان باتت قاب قوسين أو أدنى من نهاياتها المحتومة بعد فشلها الذريع في تحقيق أي هدف من أهدافها مهما حاول «المتعهد» الجديد لمعسكر الاعتقال «الشرق أوسطي» الكبير أولمرت وجيشة المسكور على أبواب بنت جبيل وقرى ودساكر جبل عامل ان يمدد لهذا العدوان أياماً أو أسابيع معدودة!
وعندما ينقشع الضباب وتنجلي الرؤية فيما وراء غبار المعارك ستنكشف بالتأكيد الكثير من الأسرار التي سيطلع عليها الرأي العام العربي والعالمي بخصوص مخطط العدوان.
ليس مهماً بعد كل الذي حصل كيف وبأية صيغة سيتوقف العدوان ولن يكون لأحد مطلقاً الفضل في وقف العدوان بعد أن وضعت المقاومة اللبنانية حجر الأساس من خلال مواجهاتها الاسطورية لبناء مجتمع ودولة لبنان ما بعد العدوان.
الذين قرأوا وتابعوا وجمعوا المعلومات التي توافرت بكثرة عن وجود مخطط مبيت منذ مدة لإطلاق حرب مفتوحة ضد حزب الله والمقاومة اللبنانية في أول فرصة متاحة بذريعة أو بغيرها، ليس فقط لم يعد يشوش أذهانهم الحديث الممل عن «المغامرة والمغامرين» ومقولات «تقديم الذرائع» للعدوان! بل إنهم ذهبوا إلى حد «الكفر» بكل القيم التي ظل يرددها وينادي بها «العقلانيون» ودعاة نشر مبادئ الديمقراطية والحرية والتقدم فيما بات يعرف بالعالم الحر والمجتمع الدولي المسئول! كما يقول رئيس وزراء لبنان السباق سليم الحص في رسالته المفتوحة للحكام العرب إلى رئيس أكبر دولة في العالم!
فالمعروف أن جورج بوش الابن قال غداة صدور القرار 1595 الخاص بتشكيل لجنة تحقيق دولية في قضية اغتيال الحريري مخاطباً حلفاءه الجدد من تكتل 14 آذار وهو يعدهم بتباشير الانتصار الحاسم على خصومهم الداخليين في لبنان ما مضمونه: «ما نقدمه للبنان اليوم من خدمات ومساعدات على طريق إقامة دولة لبنان المستقلة والحرة والديمقراطية ليس سوى رسالة سيمتد موجها من بيروت إلى دمشق وصولاً إلى طهران...».
والمعروف أيضاً أن القرار 1559 الذي سبق واقعة اغتيال الحريري المشبوهة والملغمة كان قد طالب بخروج القوات السورية من لبنان ونزع سلاح الميليشيات الفلسطينية واللبنانية وهو قرار وضعت أسسه فرنسا ورعته واشنطن في مقدمة على ما يبدو للخلاص من آخر «جيوب» المقاومة اللبنانية والممانعة العربية على ما يظنون، أي نزع سلاح حزب الله وتفكيك قدراته!
اليوم ومع دخولنا الأسبوع الرابع للعدوان يظهر أكثر من أي وقت مضى بأن ما لم تستطع «دبلوماسية» الفتنة الأولى صنعه في لبنان وفشلت في تحقيقه الآلة الحربية «الغبية» على رغم كل جبروتها وجهنميتها يسعون إلى تمريرها عبر «دبلوماسية» فتنة جديدة عنوانها «القوات المتعددة الجنسيات» التي يفترض أن تتبلور عبر قرار جديد لمجلس الأمن الدولي وهذه المرة أيضاً من خلال زواج غير شرعي بين باريس وواشنطن مرة أخرى!
الذين يسعون إلى حل جذري لما يسمونه بالمشكلة اللبنانية أو الملف اللبناني أو سلاح حزب الله أو مستقبل المقاومة اللبنانية نقول إن استبدال تهديد الاحتلال الإسرائيلي بما سيعتبره بالتأكيد أكثرية لا بئس بها من اللبنانيين والعرب تهديداً جديداً عنوانه القوات المتعددة الجنسيات إنما ينقلون الحرب الحالية إلى مدى أبعد ومساحات أوسع وينشرونها على جبهات متعددة وبالتالي فإنهم ليس فقط لا يقدمون حلاً جذرياً للمشكل بل إنهم يعقدون المشكل أكثر فأكثر وينشرون العنف والعنف المضاد على امتداد الوطن العربي والإسلامي.
قد يكون ذلك هدفاً من أهداف الكيان الإسرائيلي وكذلك زمرة المحافظين الجدد الخاطفين لسلطة القرار في واشنطن في المرحلة الراهنة، لكنه بالتأكيد ليس هدفاً من أهداف أي من اللبنانيين والعرب أو المسلمين أو هكذا نأمل ونتمنى على الأقل!
لكننا ننبه أولئك وهؤلاء بأن نشر قوات متعددة الجنسيات بعد كل الذي حصل في لبنان سيؤدي في الحد الأدنى إلى بدء «حركة تحرر جديدة» كحد أدنى قد تطول عشرات السنين، هذا في أحسن الأحوال وهو ما يعني إدامة الحروب فوق أرض لبنان ان لم يكن توسعها باتجاه جميع الاقطار العربية، هذا إذا لم يدخل «القاعدة» و«الطالبان» وكل أشكال ما يسمونه بالمنظمات «الإرهابية» إلى «شبكة» الحروب «اللبنانية»!
إن أي دارس ومتابع ومتتبع للتقارير الخاصة بمهمات حلف الأطلسي يستطيع التأكد من أن لبنان كان ولايزال واحدة من الساحات التي يسعى هذا الحلف إلى النزول على أرضها للسيطرة على ما يسميه بتهديد المتطرفين أو المتشددين أو «قوس الإرهاب» الممتد من مياه الخليج الدافئة حتى أعالي القوقاز وما وراء النهر في آسيا الوسطى (المركزية).
ثم إن كل من يدّخل إيران وسورية باعتبارهما «المحركين» الأساسين لما جرى ويجري في لبنان! أو أن حزب الله ومقاومته ما هي إلا أداة تنفيذ حرباً بالوكالة عن طهران ودمشق انما يقوم عملياً عن وعي أو من دون وعي باسقاط كل الحقوق اللبنانية في «مناقصة» بيع لبنان مجاناً إلى الدولة العالمية الأقوى وكذلك بالتبرير و«الشرعنة» لما تقوم به «إسرائيل» اليوم بدور الوكيل المعتمد الأوحد لتلك الدولة العظمى من جديد بعد أن فشلت الأخيرة في كل من أفغانستان والعراق وبعد أن كانت قد سحبت «إسرائيل» من التداول في الحروب الإقليمية!
الذين يعرفون لبنان جيداً يدركون مدى حجم الغباء والحماقة التي يمكن أن يرتكبها المجتمع الدولي في ايكال مهمة حل الملف اللبناني إلى ما يسمى بالمتعددة الجنسيات ناهيك عن إطلاق يد «إسرائيل» لانجاز المهمة بالقوة!
الفشل بادٍ في الأفق من دون شك لمثل هذه المشروعات وليس هناك من حل إلا بلبنان جديد قوته في وقوته ووحدة شعبه ولوحة تعايشه التاريخية وليس في «ضعفه» التاريخي كما كان ينظر له قبل ولادة المقاومة وفعل المقاومة وفعل ما بعد المقاومة والنصر الذي يرفرف فوق رؤوس كل اللبنانيين الذين أهداهم فارس المقاومة السيدحسن نصرالله الانتصار أولاً وقبل أي حليف أو شقيق أو حر أو صديق
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 1429 - الجمعة 04 أغسطس 2006م الموافق 09 رجب 1427هـ