تناولت الحلقة الأولى واقع صناعة السيارات الأميركية المتأزم، وتسلط هذه الحلقة الضوء على صعود شركات صناعة السيارات الآسيوية وأسواقها التي باتت تشكل تهديداً خطراً لسوق السيارات الأميركي - الأوروبي وصناعتها.
فرغم تحسن جودة السيارات الأميركية لكن الشركات الأميركية وكذلك الأوروبية لاتزال عاجزة عن التعامل مع مشكلة جوهرية تتمثل في إنتاج السيارة المناسبة، وفي الوقت المناسب وهو الأمر الذي تفوقت، فيه بدرجة كبيرة، شركات السيارات الآسيوية بشكل خاص، كما تشمل العقبات التي تواجه صناعة السيارات الأميركية العجز عن التعامل برؤية واضحة مع قضية الطاقة والبيئة.
لقد ارتفعت أسعار البنزين بسرعة فلكية إلى أن وصلت ذروتها بعد الإعصار كاترينا الشهير الذي ضرب السواحل الجنوبية للولايات المتحدة على خليج المكسيك قبل أن تتراجع قليلا. في خضم كل ذلك، استمرت شركات السيارات الأميركية في إنتاج سيارات كبيرة الحجم وعالية الاستهلاك للوقود وهو الأمر الذي لم يعد في إمكانية الشراة الأميركيين احتماله فبدأوا الانصراف عن السيارات التي تنتجها مصانع ديترويت نحو تلك القادمة من الشرق الأقصى وخصوصاً اليابانية الصنع. ثم طرأ بروز التنين الصيني على المسرح، ليشعل من أوار المنافسة، ويثير فزع أغلب المنتجين الأميركيين في مختلف المجالات وخصوصاً في صناعة السيارات.
وبعيداً عن الأزمات التي يولدها ارتفاع كلفة الطاقة، هناك مشكلة معدل الإنتاجية، فعلى الرغم من تحسن إنتاجية مصانع السيارات الأميركية فإن معدل الإنتاجية بالنسبة إلى ساعة العمل وأجر الساعة مازال أقل كثيراً من المنافسين الآخرين وخصوصاً الآسيويين.
وتحت وطأة هذه الضغوط والالتزامات بدأ شبح الانهيار يظهر في أفق صناعة السيارات الأميركية فأعلنت شركة ديلفي إفلاسها وانخفض التصنيف الائتماني لسندات جنرال موتورز وفورد إلى درجة (سندات عالية المخاطر) وهو ما يعني أنها ستواجه صعوبة بالغة في الحصول على أي قروض في المستقبل، ولا يوجد حل سهل لهذه المشكلة، فإدارة الشركات وحملة أسهمها يبحثون عن الأرباح والنقابات العمالية متشبثة بمكاسب أعضائها.
النمور الآسيوية
ففي العام 2005 لقد زادت مبيعات سيارات الشركة اليابانية تويوتا بنسبة 16 في المئة، مما دفع بالشركة الى المرتبة الثانية في أسواق بيع السيارات بالولايات المتحدة. وتجيء شركة فورد في المقدمة من حيث المبيعات، تليها شركة ديملر كريزلر.
وفي العام نفسه قالت شركة هوندا: إن مبيعاتها ارتفعت كذلك في الولايات المتحدة بنسبة 10 في المئة، وارتفعت مبيعات شركة هايونداي الكورية بنسبة 6 في المئة.
وكانت شركة نيسان اليابانية ، الشركة الآسيوية الوحيدة التي تدنت مبيعاتها بالولايات المتحدة، فانخفضت بنسبة 19,5 في المئة، خلال ذلك العام.
وأرجعت الشركة السبب في ذلك الى تدن عام في بيع السيارات والشاحنات في الولايات المتحدة في شهر يوليو/ تموز.
وفي الوقت الذي تتقدم فيه الشركات اليابانية »تويوتا«، و»هوندا«، و»نيسان« بخطى ثابتة في الولايات المتحدة، تكافح الشركات المنتجة الأميركية في أن تجعل طاقتها الإنتاجية وكلفها متماشية مع حقيقة أن قائدي السيارات الأميركيين يرغبون في شراء عدد أقل من السيارات والشاحنات الخفيفة المصنوعة في الولايات المتحدة. وهي تدير عملياتها التشغيلية على نحو من الظروف المتأزمة: إذ خسرت »فورد« و»جنرال موتورز« مجتمعتين 7,2 مليارات دولار في الفروع الأميركية الشمالية في العام الماضي، قبل أن تخسر مليارات أخرى من الدولارات على شكل رسوم إضافية.
وتبلغ الآن قيمتهما المشتركة في السوق 28 مليار دولار، بعد أن كانت 137 مليار دولار في العام 1999. وللدلالة على سوء واقع شركات السيارات المريكية يكفي أن نعرف إن »جنرال موتورز«، أكبر شركة لصناعة السيارات في العالم من حيث عدد السيارات التي تصنعها، تساوي أقل من شركة فيات الإيطالية، أو شركة بيجو ستروين الفرنسية، أو شركة هارلي - ديفدسون، شركة صناعة الدراجات النارية.
وسط كل هذه الأعاصير تتناقل وكالات الأنباء أخبار المفاوضات الدائرة الآن على قدم وساق بين ائتلاف نيسان -رينو الذي يقوده اللبناني الأصل كارلوس غصن من جهة ورائدة صناعة السيارات في العالم جنرال موتورز من الجهة الأخرى. وقد بدأت تقارير المحللين تتوالى وهي تحمل في طياتها الإشارة إلى كل من المزايا والمساوئ المحتملة لأضخم عملية اندماج في تاريخ صناعة السيارات ومن الطبيعي أن تكون شروط التحالف لصالح كارتيل نيسان - رينو الذي يحمل بين يديه الأوراق الأقوى على صعيدي: الصناعة وحصة السوق.
وقد أشار إلى هذا الأمر جوزيف تشيني في مقالة تحليلية نشرت على موقع (ذي كار كونيكشن دوت كوم) إلى أن التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن هذا التحالف سوف يؤدي بالضرورة إلى تغيّر كبير في أسواق صناعة السيارات في العالم أجمع لأن ائتلاف الشركات الثلاث سيشكل أضخم شبكة صناعية عالمية في هذا الميدان، ويقدر بشكل مبدئي أن يبلغ مجمل إنتاج الشركة الجديدة 14 مليون سيارة سنوياً.
بكين في حلبة الصراع
لكن الجميع وخصوصاً الأميركان بدأوا يحسون بالخطر الجديد القادم من بكين، فالصين قد تحولت إلى نقطة جذب رئيسية لشركات السيارات العالمية التي باتت تستطيع إنتاج سياراتها بتكلفة أقل كثيرا وتفوز في أي منافسة مع الشركات المنتجة في الولايات المتحدة.
وعلى رغم أن السيارات المنتجة في الصين لم تصبح بعد لاعباً رئيسياً في السوق الأميركية كما هو الحال بالنسبة للسيارات اليابانية والأوروبية فلن يمضي وقت طويل حتى تتغير المعادلة وتبدأ السيارات الصينية غزو السوق الأميركية.
لقد نجحت صناعة السيارات الصينية في حيازة موقع في المنافسة على الصعيد الدولى بسبب انخفاض أسعار السيارات بعد انضمام البلاد إلى منظمة التجارة العالمي.
أكدت تلك التصريحات على لسان لونغ يونغ تو، الأمين العام للمؤتمر السنوى لمنتدى بواو الاسيوى والمفاوض السابق بمنظمة التجارة العالمية، في منتدى تنمية صناعة السيارات للعام 2004 والذى عقد هنا اليوم الاثنين.
وخلال العام الأول من انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية، انخفضت أسعار السيارات المصنوعة في الصين توقعا لمجىء واردات أرخص، وساعد ذلك صناعة السيارات المحلية في تحديد الأسعار طبقا لقواعد السوق بعد أن كانت تتمتع بسياسات حمائية لسنوات، وفقاً لما ذكر لونغ. ووفرت الأوضاع السيئة التي تعيشها صناعة السيارات الأميركية مدخلا سهلا تلج منه السيارات الصينية السوق الأميركية أولا ومن بعدها السوق العالمية، هذا إلى جانب السوق الصينية المحلية التي باتت مفتوحة، إلى حد بعيد، امام الجميع.
من جهة أخرى، قال لونغ: إن شركات صناعة السيارات متعددة الجنسيات تدخل السوق الصينى وتستثمر فيه بشكل أكبر باستخدام تكنولوجيا متقدمة وطرز جديدة، مما يعزز صناعة السيارات في الصين. وأضاف لونغ أن صناعة السيارات المحلية ذات إمكانات كبيرة استناداً الى عملية الحضرنة الحالية وانتقال مراكز الانتاج العالمية إلى الصين.
ولكي نكون فكرة عن الحيز الذي يمكن للصين ان تحتله في أسواق السيارات العالمية، يكفي ان نعرف ان صادرات الصين من السيارات وقطع غيارها (بما في ذلك الدراجات البخارية ) قد بلغت في العام 2004 ما يربو على 4,3 مليارات دولار أميركي، وقفز حجمها إلى نحو 15 مليار دولار أميركي فى العام 2005، ومن المتوقع ان تبلغ 100 مليار دولار أميركي بحلول العام 2010، وفقا لما جاء في الاحصاءات الصادرة عن وزارة التجارة الصينية.
لكن مهما تكن أسباب الازمة، فإن الحقيقة المؤكدة هي أن صناعة السيارات الأميركية التي كانت في وقت من الاوقات درة تاج الاقتصاد الأميركي عندما كانت مدينة ديترويت عاصمة صناعة السيارات في العالم أصبحت تقف على صفيح ساخن
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1429 - الجمعة 04 أغسطس 2006م الموافق 09 رجب 1427هـ