العدد 1428 - الخميس 03 أغسطس 2006م الموافق 08 رجب 1427هـ

1- الازمات الداخلية

صناعة السيارات الأميركية تواجه معركة البقاء

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من جديد تواجه صناعة السيارات الأميركية، وإلى حد ما صناعة السيارات الأوروبية موجة كساد حادة تهدد مكانتها على الصعيد العالمي وتنذر بتفوق منافسيها عليها في صناعة وسوق احتفظت فيهما الأولى بقصب السبق لما يزيد على القرن من الزمان.

فقد انخفضت مبيعات شركة فورد بنسبة تزيد عن 35 في المئة في شهر يوليو/ تموز مقارنة بالوقت نفسه من العام الماضي. كذلك انخفضت مبيعات شركة كريزلر بنسبة 37 في المئة، وشركة جنرال موتورز بنسبة 19,5 في المئة. وكانت شركة فورد موتور قد أعلنت قبل نحو الشهر، أنها منيت بخسارة صافية قدرها 123 مليون دولار في الربع الثاني من العام الجاري متأثرة بتراجع مبيعاتها في أميركا الشمالية وبسبب كلف إعادة الهيكلة.

وتراجعت عائدات الشركة من عملياتها في أنحاء العالم في الفترة من أبريل/ نيسان يونيو/ حزيران، لتصل إلى 42 مليار دولار مقابل 44,5 مليار دولار في الفترة نفسها من العام السابق حتى على رغم ارتفاع عدد المركبات المباعة بنسبة واحد في المئة تقريبا لتصل إلى 1,732 مليون سيارة.

وأرجعت بعض المراجع القريبة من هذه الصناعة أسباب ذلك إلى أن الشركات لم تقدم تخفيضات على أسعار سياراتها، كما فعلت العام الماضي من جانب، وإلى ارتفاع أسعار البنزين ما دعا المستهلكين للتوجه نحو شراء السيارات الصغيرة الاقتصادية في استهلاك الوقود من جانب آخر، وفوق ذلك كله هناك الخطر القادم من آسيا بفعل الفوارق التنافسية التي تحظى بها السيارات الآسيوية مقارنة بمثيلاتها الأميركية والأوروبية.

ويثير واقع صناعة السيارات الكثير من اهتمام المسئولين في الولايات المتحدة، فصناعة السيارات تشكل الدعامة الأساسية للكثير من الاقتصادات الصناعية الكبرى؛ إذ تعمل على دفع عملية التصنيع والتنمية التكنولوجية بها. وهذا يفسر التحدي الكبير الذي تواجهه صناعة السيارات الأميركية والأوروبية في إطار اتفاقات تحرير التجارة والعولمة والتجارة الإلكترونية، ويبرر الصراعات الحادة التي تدور بين كبرى الشركات للوصول إلى إنتاج جديد يقوى من مواقعها في الأسواق العالمية ويمدها بمقومات التفوق على منافسيها من أجل استمرار صمودها في تلك الأسواق.

ترشيد الإنفاق شعار وإعادة الهيكلة

وكما هو متوقع في مواجهة الأزمات، وعلى وجه الخصوص تلك المترافقة مع بعض مظاهر الكساد، تتجه الشركات العملاقة إلى ترشيد الانفاق واعادة الهيكلة كخطوتين أساسيتين تسبقان أية سياسة لزيادة الدخل او التوسع في الأسواق.

ومن المتعارف عليه ان الترجمة العملية لإعادة الهيكلة هو صرف نسبة من العمال من أجل سلك أقصر الطرق للتوفير في النفقات وأفضل القنوات للتقليل من مصروفات التشغيل. ففي ولاية جورجيا بالولايات المتحدة هناك هناك 3100 عامل سيكون مصيرهم أن يعيشوا في انتظار الإعانات الحكومية، وذلك بعد الخروج من مصنع سيارات شركة جنرال موتورز المزمع إغلاقه بعد أن عمل لمدة 58 عاماً. وعلى مسافة لا تبعد إلا 20 ميلاً عن هذا المصنع في الطرف الآخر من مدينة اطلانطا، ستقوم شركة فورد بإنهاء أكثر من ألفي وظيفة حين تغلق مصنعها لتجميع السيارات، الذي هو أقدم حتى من مصنع »جنرال موتورز«، في مدينة هيبفيل.

كما ستختفي نحو 55 ألف وظيفة أخرى، معظمها في ولاية ميتشغان، في شمال شرق الولايات المتحدة، حين تقوم الشركتان بإغلاق أو تقليص 24 مرفقاً آخر.

في هذا الإطار أعلنت شركة ديملركرايسلر حديثاً أنها قررت بيع 13 من المباني وأراضي البناء التي تملكها في القارة الأوروبية إلى مجموعة العقارات الفرنسية (إيكاد) بقيمة 300 مليون يورو. وبررت مصادر الشركة هذا الإجراء بتأكيدها أن العقارات المباعة تشمل مكاتب غير ضرورية وأراضي بناء خالية في مدن ميونخ وبرلين وهامبورغ وفرانكفورت وشتوتغارت ودوسلدورف وأرينزدورف وبادهومبورغ.

وقدرت الشركة حصيلة أرباح التشغيل نتيجة الصفقة بنحو 100 مليون يورو وأن ثلثي هذا المبلغ سيدخل خزينة الشركة في الربع الثالث من العام الجاري والباقي سيسدد في الأشهر الثلاثة المتبقية من العام.

ورفض المتحدث باسم الشركة الرد على الاستفسارات بشأن نيات الشركة بيع مزيد من العقارات التي تملكها في المستقبل وأشار إلى استمرار مراجعة وتقييم حجم الصفقة الحالية. لكن المراجع القريبة من أوساط الشركة تتحدث عن هذا الإجراء كخطوة تجريبية قد تلحقها خطوات اخرى مماثلة في حال نجاحها في وضع حد للأزمة او التخفيف من تأثيراتها السلبية المباشرة.

ويواجه موظفو شركة ديملركرايزلر في شتوتجارت في ألمانيا مستقبلاً مجهولاً، إذ إن الشركة تسعى إلى خفض عدد موظفيها بمقدار الخمس. وفي قسم سيارات مرسيدس، وهو قسم السيارات الفخمة لدى »ديملركرايزلر«، يجري العمل على إنهاء 8500 وظيفة إضافية. أما شركة أوبل، الذراع الأوروبي الذي يكبد »جنرال موتورز« الخسائر، فقد صرفت من الخدمة من قبل عشرة آلاف عامل في ألمانيا. ولن تنجو من هذا المصير كذلك بلدة فولسبورج، البلدة التي أنشأها هتلر في ثلاثينات القرن الماضي لتكون مقراً لشركة فولكسواجن وقوتها العاملة: إذ أعلنت الشهر الماضي أكبر شركة أوروبية لصناعة السيارات »فولكسواجن« أنها ستخفض عدد العاملين لديها بمقدار يصل إلى 20 ألف موظف.

وفي النطاق الأوروبي - الأميركي أيضا أعلنت في الشهر قبل الماضي شركة السيارات السويدية فولفو المملوكة لشركة فورد موتور الأميركية، ثالث أكبر منتج سيارات في العالم، اعتزامها الاستغناء عن 1000 عامل خلال الخريف المقبل.

وقالت المتحدث باسم فولفو أولي إكسليسون إن ظروف العمل القاسية هي السبب وراء هذه الخطوة. وأضاف المتحدث »السوق صعبة بصورة لا تصدق ولا نستطيع زيادة الاسعار ولكن يجب ضغط النفقات لكي نحقق بعض الارباح«.

وسيكون غالبية العمال المسرحين من الموظفين الاداريين. كما سيتم الاستغناء عنهم بصورة اختيارية وفقا لنظام تقاعد خاص لم يزد عمره عن 55 عاماً.

وكانت فولفو قد استغنت منذ عام عن 1500 عامل في حين يعمل لديها نحو 19 ألف عامل، أي نحو 01 في المئة من قوة العمل لديها.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة فولفو فريدريك آرب في مقابلة نشرتها صحيفة »داجينس إنداستري« إن الشركة دعمت موازنة التسويق بمليار كرون سويدي (136 مليون دولار) خلال السنوات المقبلة.

جيش المتقاعدين

لكن التسريح قد يؤدي إلى نتائج معاكسة. فمن أبرز المشكلات التي تواجهها صناعة السيارات الأميركية أيضا التزاماتها المالية الباهظة تجاه المتقاعدين بعد تزايد نسبة هؤلاء المتقاعدين المستحقين لمخصصات التقاعد مقابل أعداد العاملين فيها فعلاً.

وكلما قلصت جنرال موتورز أكبر منتج للسيارات في الولايات المتحدة والعالم عدد العاملين فيها زادت أعباء مخصصات المتقاعدين في ظل انكماش إيرادات صندوق التقاعد التي تأتي من اشتراكات العمال.

وقد كان عدد عمال جنرال موتورز في مدينة فلينت الأميركية وحدها منذ 25 عاما أكثر من 80 ألف عامل إذ كانت مصانعها أحد المعالم الأساسية للمدينة، ولكن عدد العاملين في مصانع الشركة بهذه المنطقة انخفض الآن إلى ثلاثين ألف عامل فقط.

وفي وقت من الأوقات كان لدى جنرال موتورز أربعة عمال يعملون فعلاً ويسددون اشتراكات صناديق التقاعد ويضيفون لموارد الشركة مقابل كل عامل وصل إلى سن التقاعد ليبدأ الحصول على مخصصات التقاعد. ولكن هذه النسبة تغيرت بصورة كبيرة وأصبح لدى الشركة 2,5 عامل متقاعد مقابل كل عامل مازال في سن العمل من بين 106 آلاف عامل يعملون لديها حاليا في أميركا الشمالية.

وقبل فترة أعلنت الشركة الأميركية العملاقة عن خطة لتسريح أكثر من ثلاثين ألف عامل بحلول العام 2008 وسيكون عمال مصانع جنرال موتورز في فيلنت هم الهدف الرئيسي لعمليات التسريح.

وتضيف كلف الرعاية الصحية لعمال جنرال موتورز سواء الذين مازالوا في الخدمة أو المتقاعدين نحو 1500 دولار لتكلفة كل سيارة تبيعها الشركة.

وإذا كانت جنرال موتورز قد تعرضت لخسائر كبيرة خلال العام الجاري فإن منافسيها الأمريكيين مثل فورد وديملر كرايسلر يواجهون الصعوبات نفسها التي تواجهها. وفعلاً بدأت شركات السيارات الأميركية الكبيرة الضغط على النقابات العمالية من أجل التوصل إلى حلول وسط خفض كلف الرعاية الصحية التي تتحملها الشركات.

يقول خبير أسواق العمل في كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا الأميركية بيتر كابلي: إن شركات السيارات اليابانية التي تعمل في اليابان لا تتحمل مثل هذه الأعباء الخاصة بالرعاية الصحية ومخصصات التقاعد.

والمفارقة أن المزايا التي يحصل عليها العمال في شركات السيارات الأمريكية أصبحت أكبر من الأجر نفسه إذ تصل كلف الرعاية الصحية ومخصصات التقاعد للساعة الواحدة إلى 65 دولارا للعامل في شركة ديلفي وربما تزيد في جنرال موتورز.

ويرى كثيرون في ديترويت أن صناعة السيارات الأميركية تخوض حاليا فعلاً معركة وجود. فمن المنتظر أن تقفز تويوتا موتور كورب اليابانية إلى صدارة منتجي السيارات في العالم خلال العام المقبل، غير أن المنافسة الآسيوية ليست سوى جزء من مشكلة أكبر تواجهها صناعة السيارات الأميركية، ويؤكد المحللون أن عوامل الأزمة التي تواجهها صناعة السيارات في الولايات المتحدة تشمل، القصور الواضح في الرؤية والقيادة.

ووراء هذه الجولة من تقليص النفقات، لدى كبريات شركات صناعة السيارات في الولايات المتحدة وأوروبا، هناك تحد مألوف للكثير من الصناعات: وهو صعود شركات صناعة، فقد ترافق كساد سوق السيارات الأميركي - الأوروبي مع ارتفاع كان متوقعا في سوق السيارات المقبلة من الدول الآسيوية. ما هي اوجه المنافسة الآسيوية؟ هذا ما ستتناوله الحلقة الثانية من هذا المقال

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1428 - الخميس 03 أغسطس 2006م الموافق 08 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً