مثلها مثل معظم الأطفال على هذه الجزيرة ذات الغالبية المسلمة، نادراً ما تحصل سريّا تمبلان على الرعاية الصحية الصحيحة من الحكومة. ليس هذا مكاناً جيداً لفتاة عمرها ثلاثة عشر عاماً تنشأ فيه لأنه ممزق نتيجة للنزاع والإهمال منذ سنوات كثيرة.
كان من الصعب خصوصاً بالنسبة إلى سريّا لأنها ولدت بشفة مصدوعة، وهو تشوه أجبرها على ترك المدرسة بعد الصف الثالث لأنها لم تستطع تحمل المضايقات. الفقر والصراع، سببهما الرئيسي حكومة مهملة، والمسلمون الذين يحاربون منذ عقود كثيرة من أجل الحكم الذاتي، وجماعة أبوسياف الإرهابية، تآمرت جميعها لجعل هذه الجزيرة واحدة من أكثر الأماكن تخلفاً وعنفاً والتهاباً في الفلبين. سكان الجزيرة مثل سريّا وقعوا في وسط إطلاق النار.
الولايات المتحدة انجرت إلى هذه الجزيرة هذه السنة وراء حملتها ضد الإرهاب في جنوب شرق آسيا، وقدمت الدعم اللوجستي والاستخبارات للجيش الفلبيني وهو يحاول سحق الإرهابيين من جماعة أبوسياف ومجموعات الجماعة الإسلامية المسئولين عن بعض أكثر الأعمال الإرهابية عنفاً هناك.
تم نشر مئات من العسكريين الأميركيين على جزيرة جولو وجزيرة مقاطعة باسيلان المجاورة، وهي معقل أبوسياف، التي أصبحت بحسب رأي المسئولين الأميركيين نموذجاً لكيفية محاربة الإرهابيين.
الاستراتيجية كانت بسيطة، في الوقت نفسه الذي يطارد فيه الجيش الفلبيني، بمساعدة أميركا، الإرهابيين، تجري جهود موازية من قبل الفلبين والأميركيين، ولكن باستخدام موارد أميركية إلى درجة كبيرة، في محاولة للتعامل مع المشكلات التي تسمح للمتطرفين تجنيد الأفراد من بين من يسميهم الكولونيل جيم ليندر. قائد القوات الأميركية في جولو «المهمشين والمحتجين الذين يفتقرون إلى القناعة من السكان».
«علينا أن نخاطب جذور أسباب القضية، البيئة التي تسمح لهم بالتجنيد والبحث عن ملاذ آمن»، يقول ليندر في مقابلة في مانيلا. حكومة الولايات المتحدة، من خلال قواتها المسلحة وهيئات مثل وكالة الولايات المتحدة للإنماء الدولي. ومن خلال تعاون الحكومة الفلبينية، قامت ببناء الطرق والجسور ومباني المدارس والآبار في الكثير من المجتمعات المحلية المسلمة التي أهملت لعقود كثيرة من قبل قادة المسلمين ومانيلا.
بحسب المسئولين، هذا التوجه الإنساني التنموي أخذ يثبت أنه حتى أكثر فاعلية من التوجه العسكري البحت، فقد حول باسيلان، معقل أبوسياف إذ ذهبت القوات الأميركية أولاً بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول، إلى جزيرة أكثر أمناً نسبياً، بعد القضاء على الإرهابيين واحداً بعد الآخر، إما في القتال أو في عمليات اصطياد دعمتها برامج المكافآت والعدل لوزارة الخارجية الأميركية، التي تم خلالها تقديم مئات الآلاف من الدولارات لإلقاء القبض على أبوسياف وقادة الجماعة الإسلامية.
اليوم يحاول الأميركيون تكرير نجاحهم في باسيلان على جزيرة جولو، ويرغبون في عمل الشيء نفسه في تاوي تاوي، أبعد الجزر المسلمة جنوب الفلبين.
كان هناك ذعر مبدئي من قبل الولايات المتحدة، بحسب قول المسئولين، مع الأخذ في الاعتبار ان جولو تشترك بماض أسود معها. محاربو جولو وسلاطين قادوا المقاومة ضد الاستعماريين الأميركيين في نهاية القرن التاسع عشر. على بعد كيلومترات قليلة من مركز المدينة يوجد جبل اسمه بود داجو، وهو موقع لما يسميه المسلمون هنا موقع مجزرة قتل فيها الأميركيون مئات المسلمين. الذكرى المئوية للمجزرة احتفل بها هنا في مارس/ آذار، بينما كانت القوات الأميركية تعد معسكراتها على الجزيرة.
يقال إنه من بين جميع المناطق المسلمة في مندماو، الشعور ضد الأميركيين هو الأقوى هنا. ولكن الكثير من المسلمين مثل سريّا وعائلتها يعانون من الفقر الشديد لدرجة أنهم غير مهتمين بما حصل قبل أكثر من مئة سنة. عائلة سريّا تعيش في جزء معزول بعيد من قرية بعيدة. أبوها مات، وتكدح أمها كعاملة في محل لتنظيف الثياب لسد أود العائلة. جدتها قامت بتربيتها معظم الوقت.
لعدة سنوات حاولت سريّا وأسرتها أن تجد أساليب لإصلاح تشوه شفاتها، ولكن كونها فتاة فلاحة من جزيرة لا توجد فيها رعاية صحية أساسية، لم تكن لديها فرصة واحدة.
إلى أن جاءت ميرسي. الباخرة المستشفى التابعة للبحرية الأميركية التي زارت جولو في الاسابيع الاخيرة، عالجت آلاف الفلبينيين الفقراء، ومعظمهم من المسلمين، في ثلاث مقاطعات خلال زيارتها.
في الصباح المبكر من أحد أيام الشهر الماضي حصلت سريّا أخيراً على رغبتها. أجرى الأطباء على السفينة ميرسي عملية جراحية لإصلاح شفة سريّا مجاناً. «نحن شاكرون جداً. لم نكن نحلم يوماً أن هذا سيحدث». تقول فاطمة تمبالان جدة سريّا التي رافقتها. المسئولون الفلبينيون على جزيرة جولو يعربون عن شكرهم كذلك. «نحن شاكرون ليس فقط للمساعدة وإنما كذلك على الصداقة»، تقول فاهرة نان عمر الإدارية في مستشفى مقاطعة سولو الذي تسلم معونة من الولايات المتحدة. وأضافت أنه نتيجة للمعونة الأميركية وبسببها يستطيع المستشفى أن يخدم شعب جولو بصورة أفضل.
البرامج الإنسانية والتنموية هذه تشكل «نموذجاً جديداً» بحسب قول الملازم القائد فرانكلن سيشريست من البحرية، الذي قام المجموعة في المستشفى.
«ليست لدينا نوايا سيئة هنا» يقول سيشريست. «ما نفعله هو المساعدة عن طريق التنحي عن دورنا العسكري التقليدي». التعامل مع الاحتياجات التي لم تتحقق للسكان المحليين، بحسب قوله، «ستحتوي انتشار الإرهاب». بالنسبة إلى ميشيل اوكاموتو وهي ممرضة من نيويورك تبلغ الحادية والخمسين من عمرها والتي تتطوع من أجل «مشروع الأمل»، المشروع الخاص الخيري الإنساني المشارك في زيارة «ميرسي»، هذه المبادرة هي أفضل مثال على ما يمكن، في المستقبل، أن يساعد على دحر الإرهاب ومنع هجمة مثل 11 سبتمبر، التي خاضت تجربتها شخصياً ممرضة تطوعت لمساعدة ضحايا هجمات مركز التجارة العالمي. لقد غير 11 سبتمبر، بحسب قولها في مقابلة على الباخرة «ميرسي»، نظرتها إلى الأمور. الهجمات، وعدم التسامح والحقد والفقر والتهميش على جولو «ببساطة أعتقد أنها جميعاً متصلة»، تقول اوكاموتو.
عملها على ميرسي، والابتسامة التي سترتسم قريباً على شفاه سريّا تمبلان، «هي الأمور الصغيرة التي يمكننا أن نفعلها لمنع 11 سبتمبر أن يقع مرة أخرى» تقول ميشيل.
الفلبينيون لديهم علاقات متأرجحة مع الاميركان على المستوى الشعبي، ولذا فان الادارة الأميركية تسعى لتحسين سمعتها. وكمثال على ذلك ماحدث من غضب جماهيري في نهاية ديسمبر / كانون الاول 2005 عندما غادر جنديان من مشاة البحرية الأميركية (المارينز) الفلبين بعد تدخل جهات حكومية و تبرئتهما من تهمة اغتصاب وجهتها اليهما امرأة فلبينية عمرها 22 عاما.
وكان أربعة جنود أميركيين آخرين وسائق سيارة مقفلة (فان) اتهموا بالاغتصاب ، واعتقل الجنود المتهمون في السفارة الأميركية في مانيلا منذ وجهت لهم اتهامات الاغتصاب المزعوم الذي وقع في مطلع نوفمبر / تشرين الثاني 2005 داخل سيارة «فان» في مدينة سوبيك الواقعة بجزيرة فريبورت الشمالية وهي قاعدة بحرية أميركية سابقة والمنطقة المفضلة لدى الجنود الأميركيين للاستجمام والراحة.
والجنود المتهمون من بين 4000 جندي أميركي شاركوا في تدريبات عسكرية أميركية - فلبينية مشتركة بدأت في أكتوبر الماضي. وأثار هذا الاعتداء مشاعر معادية لاميركا في الفلبين، وشهدت مانيلا مظاهرات احتجاج على ما ترتكبه المارينز في هذا البلد ولكن الحكومتان أعربتا عن ثقتهما في أن القضية لن تؤثر على العلاقات الثنائية. ملاحظة: أمين عام للاتحاد العام للصحافيين في الفلبين كارلوس كوندي، والمقال ينشر بالتعاون مع خدمة «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1428 - الخميس 03 أغسطس 2006م الموافق 08 رجب 1427هـ