بعد مرور 24 يوماً على العدوان الأميركي - الصهيوني على لبنان (دولة ومقاومة) لم تنجح القوات البرية في تحقيق اختراقات جدية على الأرض. فقوات حزب الله لاتزال تتصدى وتواجه محاولات التقدم في أربعة محاور اساسية في الجنوب اللبناني. ويرجح ان تستمر عمليات الكر والفر الميدانية إلى فترة اضافية بعد أن أحبطت الولايات المتحدة الجهود الدولية الداعية إلى وقف فوري ومباشر للنار.
أميركا تراهن على المزيد من الوقت وتطمح ان تحقق «إسرائيل» بعض التقدم الجزئي (اقامة جسور عسكرية على الشريط الحدودي وموضعة قوات) حتى تعتمد عليه لتحسين شروط التفاوض في مجلس الأمن.
وقف اطلاق النار كما تبدو الصورة يحتاج إلى وقت وخصوصاً أن الدول الكبرى لم تتوافق حتى الآن على صيغة تسويه للحل. فالولايات المتحدة تطمح ان يشكل العدوان على لبنان مناسبة سياسية لإعادة ترتيب أوراق الأزمة بشكل ينسجم مع خطة مشروع اوسع وتحت سقف القرار الدولي 1559.
فرنسا لا تختلف كثيراً في خطة المشروع السياسي مع أميركا ولكنها تميل إلى الاسراع في وقف اطلاق النار ثم المباشرة في البحث في قرار دولي يطمح إلى تنفيذ ما تبقى من فقرات في 1559. والفقرات المجمع عليها دولياً تنص على سحب سلاح حزب الله ونشر الجيش اللبناني على الحدود الدولية وتعزيز قوات حفظ السلام على الخط الازرق لضمان عدم تكرار المواجهات المسلحة أو ما تسميه «إسرائيل» ابعاد صواريخ الحزب إلى عمق جغرافي داخل الأراضي اللبنانية.
هذا التوافق الدولي على الخطوط العريضة لمشروع القرار المتوقع صدوره قريباً وضع لبنان (دولة ومقاومة) في موقع صعب، وهذا ما دفع الحكومة اللبنانية إلى العمل على بحث صيغة محلية تشكل مجموعة افكار يمكن تقديمها كنقاط وطنية مشتركة للقوى الدولية.
الاجماع اللبناني على موقف موحد ومشترك يساعد البلد الصغير على انقاذ ما تبقى من مقومات دولة ومقاومة ويمنع التفكيك والانهيار العام. وهذا الاجماع كان لابد منه حتى لا تتعرض الجبهة الداخلية للتصدع في مواجهة ضغوط دولية وعدوان أميركي - صهيوني لا يحتمل.
إلا أن الاجماع الذي توصلت اليه الحكومة بحضور كل القوى اللبنانية من دولة ومقاومة وتم صوغه في سبع نقاط أصيب بعطب سياسي أعاد التشنج إلى الفرقاء الأمر الذي اضعف مجدداً قدرة لبنان على مواجهة ضغوط العدوان بموقف واضح ومحدد. وهذا يعني أن سقف لبنان لايزال مفتوحاً ومكشوفاً ولم تنجح كل الاتصالات في تأمين غطاء معقول ومقبول يضمن للبلد إمكانات مواصلة التحدي والتواصل على المستويين الداخلي والخارجي.
النقاط السبع التي تفاهم فرقاء الحكومة اللبنانية عليها كان بإمكانها أن تشكل درعاً سياسياً يعطي فرصة للدولة للتحرك خارجياً والمناورة في مجلس الأمن لإصدار مشروع قرار يوقف اطلاق النار ويضمن للبلد هدنة لا بأس بها لدراسة المستجدات وكيفية التعامل معها في ضوء المتغيرات الميدانية.
هذه النقاط السبع التي عكست تسوية قلقة بين الدولة والمقاومة شكلت قاعدة اجماع على خلفية مجزرة قانا الثانية التي أثارت الرأي العام الدولي وشجعت وزير الخارجية الفرنسي إلى الذهاب إلى بيروت والتفاوض مع الحكومة بهدف نقل الأفكار اللبنانية ومحاولة تبنيها دولياً لتتحول إلى مشروع قرار.
وكاد الأمر أن ينجح لولا وجود نقطة مهمة تنص على نشر قوات دولية (متعددة الجنسية) على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية. هذه النقطة أثارت مخاوف القوى الإقليمية ودفعت وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى التنبيه منها لأنها قد تؤدي إلى استدراج تنظيم «القاعدة» إلى لبنان واحتمال تعرض القوات الدولية إلى هجمات تشبه تلك التي وقعت في العام 1983 وأدت إلى خروج «القوة المتعددة الجنسية» من البلاد.
الموقف الإيراني لم يختلف كثيراً عن الموقف السوري. إذ أعرب وزير الخارجية في زيارته السريعة لبيروت عن المخاوف نفسها وأشار إلى أن فكرة استقدام قوات دولية إلى الحدود تعني ضمناً ابعاد قوات حزب الله إلى الداخل اللبناني وتجريده من سلاحه. وهذا يعني كما قال الوزير الإيراني تقديم هدايا مجانية لـ «إسرائيل» والتنازل دبلوماسياً عن أدوات دفاعية فشلت في انتزاعها بالحرب.
الاعتراض الإقليمي على استقدام قوات دولية إلى الجنوب أثار مخاوف داخلية وأربك الحكومة اللبنانية وأضعف موقعها في التفاوض مع فرنسا ودول مجلس الأمن وعرض مجدداً تضامنها الداخلي إلى الاهتزاز.
الآن أصبح لبنان يعاني من مشكلة سياسية جديدة تزيد من تضعضع توازنه الداخلي بين السير على أساس الاتفاق الذي تم التوصل اليه في الحكومة وبين التراجع عن النقاط السبع وترك المسألة مفتوحة للحسم العسكري في ميدان القتال.
الخياران أسوأ من بعضهما. فانفراد الدولة في التفاوض يعني تعريض الجبهة الداخلية للانقسام السياسي/ الأهلي وفتح الباب إلى مزيد من التدخلات التي ستطيح بالكيان وصيغته. والتراجع عن النقاط السبع أو سحب تلك الاشارة إلى موضوع استقدام قوات أجنبية ونشرها على الحدود يعني تمديد فترة الحرب في الجنوب وترك توازن القوى العسكري يأخذ مداه إلى حده الأقصى.
مضى حتى الآن 24 يوماً على العدوان ولاتزال خطوط المواجهة تراوح مكانها وهذا أوقع مجلس الأمن في حيرة من أمره ومنعه من الاجتماع لإصدار قرار بوقف النار والشروع في تنفيذ مشروع سياسي للأزمة. كذلك أدى التوازن السلبي إلى الحد من إمكانات التفاهم الداخلي على خطة لبنانية يمكن نقلها إلى مجلس الأمن للتداول بشأنها وتحويل أفكارها إلى مشروع قرار يستند إلى نقاط واضحة.
المشكلة الآن انتقلت سياسياً إلى الداخل ويتركز النقاش بين «الدولة» والمقاومة على نقطة مفصلية تتعلق بموضوع استجلاب قوات دولية. والخلاف اللبناني على المسألة يعطي ذريعة للولايات المتحدة باستمرار الحرب ويعطل على فرنسا إمكانات انتزاع موقف ينهي القتال ويوقف اطلاق النار. وبين الداخل اللبناني والخارج الدولي والملاحظات الإقليمية يرجح أن تمتد النيران لتشمل الكثير من البقاع
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1428 - الخميس 03 أغسطس 2006م الموافق 08 رجب 1427هـ