يترك العدوان الاسرائيلي على لبنان تداعيات كثيرة على سورية في مجالات سياسية واخرى اقتصادية - اجتماعية، بالإضافة الى المستويات الثقافية. غير ان الأبرز في تداعيات العدوان، تتمثل في تحدي امتداد العدوان الاسرائيلي الى الداخل السوري، وهو احتمال ظهر في بدايات العدوان بالتزامن مع تهديدات الرئيس الاميركي بأنه ستتم محاسبة سورية مترافقاً باتهام سورية وايران بمساعدة حزب الله ومناصرته، ثم اخذ الاحتمال بالتراجع من دون استبعاده، ذلك ان أحاديث متواترة استمرت بشأن علاقات سورية بحزب الله، وكلها دفعت القيادة السورية الى رفع الاستعدادات في مواجهة احتمالات العدوان، وعلى رغم ان احتمالاً كهذا صار أبعد نتيجة ما قيل انه «تطمينات اسرائيلية» تم تمريرها عن طريق طرف ثالث الى دمشق، فإنه من الصعب الوثوق بـ «إسرائيل»، ليس بسبب سياستها ومواقفها التي لا صدقية لها فقط، بل بسبب الهجمات الجوية الاسرائيلية التي لامست نقاط الحدود السورية - اللبنانية عدة مرات، وكان من السهل ان تصير تلك الهجمات في الاراضي السورية عند «خطأ ما» من الجانب الاسرائيلي، او لدى «تقدير ما» من الجانب السوري، وهذا يعني مواجهة شاملة سورية - إسرائيلية أكدت احتمالاتها تصريحات اطلقها الكثير من المسئولين السوريين.
ولا شك في ان اندلاع مواجهة سورية - إسرائيلية، سيترك آثاراً بعيدة المدى في المستويين السوري الداخلي وعلى المستوى الاقليمي، ومثل هذا التأثير حدث بفعل العدوان على لبنان ولكن على مستويات أقل. ذلك أن سورية، لم يكن امامها خيار في وقوع تأثيرات عليها وحولها من اي تطورات يشهدها لبنان، وهذه حقيقة تناقض ادعاءات راجت في العامين الأخيرين أساسها إمكان انفصال سورية عما يجري وما يمكن ان يحدث في لبنان.
وكان من تداعيات عدوان «اسرائيل» على لبنان، فتح سورية ابوابها امام الخارجين من جحيم الدمار الاسرائيلي الذي جسده القتل والتدمير، وضمت جموع الخارجين من لبنان العمال والمقيمين السوريين في لبنان، ثم العرب والاجانب المقيمين او المصطافين في لبنان، ثم اللبنانيين من مناطق لبنانية مختلفة كان استهدفها التدمير الاسرائيلي، او كانت مناطق مرشحة على القائمة، كما كان بين هؤلاء بعض اللبنانيين المقيمين في الخارج الذين رغبوا في العودة الى أسرهم وأعمالهم وخصوصاً في الخليج واوروبا.
وعلى رغم ان الاعداد الكلية للذين دخلوا سورية من لبنان منذ بدء العدوان غير معروفة ومتحفظ عليها، فإن تقدير عدد هؤلاء يذهب نحو مئات الآلاف، غالبيتهم من اللبنانيين، وهو ما شكل ضغطاً على الوضع السوري العام، شاركت في التعامل معه جهات رسمية وشعبية هدفت الى استيعابه وخصوصاً فيما يتعلق بتأمين الاحتياجات الاساسية للقادمين اللبنانيين، فتم استيعاب جزء من القادمين في الفنادق وآخرين استضيفوا لدى أسر سورية، فيما تم فتح مدارس وزارة التربية ومؤسسات أخرى لاستيعاب الاكثرية، واشتغلت منظمات اهلية ومدنية ومتطوعوها لمساعدة هؤلاء ولا سيما جمعية الهلال الأحمر السوري .
ووسط جو من التعاطف مع اللبنانيين في مواجهة العدوان، كان ثمة احاسيس سورية في المستوى الشعبي توحي بالعجز عن فعل شيء جدي وحقيقي لمساعدة لبنان، اذ ليس ثمة طريق آمن الى لبنان لحمل ما يمكن حمله لمساعدة الباقين هناك وسط سيطرة اسرائيلية مطلقة على الطرق وقيام الطائرات الاسرائيلية بقصف اي اهداف، وليست هناك فرصة ذهاب متطوعين للمساعدة الصحية او غيرها، وهو ما ولد احباطاً عاماً في اوساط، راحت تتابع مجريات الحوادث على شاشات التلفزيون وسط محاولات تحليل ما حدث، وابداء ملاحظات في هذا الجانب او ذاك. واذا كانت أكثرية السوريين أخذت جانب حزب الله في تصديه للاسرائيليين، فإن ذلك لم يمنع ان يدور جدل في اوساط معينة حول اسباب العدوان وعلاقات ما يجري في لبنان بالاوضاع الاقليمية لاسيما الوضع في فلسطين والعراق وموضوع ملف ايران النووي.
وبدا من الطبيعي ان يترك العدوان اثره على مواقف الجماعات السياسية والمدنية في سورية، فاتخذت احزاب الجبهة الوطنية التقدمية المتحالفة مع حزب البعث الحاكم مواقف متطابقة مع الموقف الرسمي في ادانة العدوان والتشهير بالسياسة الاميركية والغمز من مواقف بعض الاطراف اللبنانية، وقد طرأ تحول في النقطة الاخيرة بعد قيام «اسرائيل» بارتكاب مجزرة قانا، فجرى اول اتصال بين رئيس الوزراء السوري وقرينه اللبناني الذي سبق ان وصف في دمشق بأنه «عبد»، ووضعت اشتراطات لاستقباله رسمياً في دمشق عدة مرات!
وفي اتجاه آخر، شددت مواقف جماعات المعارضة السورية على ضرورة وقف العدوان على لبنان ومساعدته على تجاوز ما خلفته عمليات القتل والتدمير، وهو ما عبر عنه تحالف اعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي الذي يضم احزاباً عربية وكردية من اتجاهات مختلفة وشخصيات عامة الى جانب لجان احياء المجتمع المدني، وكذلك بيانات الجماعات الحقوقية العربية والكردية في سورية، التي ادانت في بيانات أعقبت مجزرة قانا التواطؤ الاقليمي والدول ازاء العدوان وطالبت بوقفه، وتقديم مرتكبي المجازر إلى المحاكمة.
وكانت ثمة تقاطعات في مواقف السلطة ومعارضيها تركزت في نصرة اللبنانيين في مواجهة العدوان والعمل على وقفه، ومساعدة النازحين اللبنانيين على مواجهة ظروفهم، لكن كانت ثمة نقطة فاصلة بين مواقف السلطة ومعارضتها، وهي الموقف من الحكومة اللبنانية وشرعية تمثيلها لبنان، فكانت المعارضة اقرب الى تأييد الحكومة من دون ان تذهب الى معاداة حزب الله، فيما كان تأييد الحكومة محصوراً بحزب الله ومواقفه، وهو ما اتاح انتشار صور السيدحسن نصر الله واعلام حزب الله في سورية وفي دمشق خصوصاً من دون ان يرتفع علم لبنان، كما عبر هذا التوجه عن نفسه في مظاهر مسيرات التأييد التي نظمت في دمشق وعدد من المدن السورية والهتافات التي ترددت فيها.
الاهم في خلاصات تداعيات العدوان الاسرائيلي على لبنان، أنها عكست مخاوف رسمية وشعبية من آثار ما يجري واحتمالات امتداده الى سورية، وأظهرت شعوراً بالعجز عن القيام بأعمال مساندة فاعلة ونشطة لمساعدة اللبنانيين، لكنه ووسط انقسامات في المواقف في الشارع السوري، لم يتأخر السوريون في المناداة بوقف العدوان على لبنان، والعمل على تقديم المساعدة الممكنة إلى الذين نزحوا الى سورية هرباً من آلة القتل والتدمير الاسرائيلي
العدد 1427 - الأربعاء 02 أغسطس 2006م الموافق 07 رجب 1427هـ