ارتبط أديب البحرين الكبير إبراهيم العريض بالكثير من الأدباء والكتاب والمؤرخين والمفكرين في الوطن العربي، وكانت له مراسلاته مع الكثير منهم. وبلغ عدد الرسائل المتبادلة بينة وبينهم زهاء 600 رسالة، قمت بجمع 458 رسالة واصدرتها في كتاب بعنوان: «مراسلات إبراهيم العريض الأدبية 1943 - 1996».
ومن بين الذين تبادل معهم الرسائل الراحل الكبير نقولا زيادة، الذي ارتبط بابراهيم العريض بصداقة خاصة. وكان العريض كثيراً ما يجتمع به اثناء تردده على لبنان، إذ يدور حديثهما عن الحياة الأدبية والثقافية والفكرية في البلاد العربية.
وعندما قررت الجامعة الأميركية في بيروت في العام 1954 عقد مؤتمرها الثقافي السنوي الرابع، بعث نقولا زيادة باعتباره رئيس هيئة الدراسات العربية بالجامعة برسالة مؤرخة في الخامس من فبراير/ شباط العام 1954 الى الاديب ابراهيم العريض يدعوه إلى المشاركة في المؤتمر باعتباره من طليعة المفكرين العرب ممن لهم اختصاص في الموضوع المطروح بالمؤتمر.
جاء في الفقرة الأخيرة من رسالته النص الآتي: «وقد رأت هيئة الدراسات العربية أن تعهد إليكم ببحث موضوع الشعر وقضيته واثقة من انكم من خيرة من يعالجون هذا الموضوع معالجة علمية. وتأمل الهيئة أن تتلطفوا فتجيبوها الى طلبها هذا».
لم يتأخر العريض في الرد على طلب صديقه زيادة، فبعث اليه برسالة في الأول من مارس/ آذار 1954 يبدي فيها موافقته على المشاركة في المؤتمر جاء فيها: «تلقيت مسرورا كتابكم الكريم بتاريخ 5 فبراير الماضي، تدعونني فيه للاشتراك في المؤتمر الذي تزمعون عقده هذا العام في آخر ابريل/ نيسان. ورأيتم ان تعهدوا الى الداعي ببحث موضوع «الشعر وقضيته» في الأدب العربي الحديث.
وأعتبر نفسي جداً سعيداً أن أتمتع بهذه الثقة الغالية من اخواني الاساتذة في الجامعة الذين اكن لهم ولجهودهم الطيبة كل احترام وتقدير...».
وفي العاشر من مارس/ آذار العام 1954 يرسل نقولا زيادة رسالة ثانية الى العريض يشكره فيها على تلبيته دعوته قائلاً: «نحن يا سيدي بانتظار تشريفكم حرم جامعتنا في يوم لا يتأخر عن 25 ابريل العام 1954، ولكم أن تشرفونا قبل ذلك ونكون لكم شاكرين».
ويطلب نقولا زيادة في رسالته الى العريض أن يرسل اليه خلاصة المحاضرة التي سيلقيها، وذلك من أجل توزيعها على أعضاء المؤتمر لمناقشتها.
ونرى نقولا زيادة حريصاً كل الحرص على خلاصة محاضرة العريض، لان الاذاعة اللبنانية تريد تسجيل صوته من خلال تلك الخلاصة فيقول: «وثمة أمر آخر أرجو ان يكون قد نال قبولكم وهو ان دار الاذاعة اللبنانية تحب ان تحصل على خلاصة لمحاضرتكم تتفضلون باذاعتها في مدة 15 دقيقة، في اليوم التالي لالقاء المحاضرة في منتدى الجامعة. فدار الاذاعة هنا حريصة على ألا تفوتها هذه الفرصة لايصال صوتكم الى مستميعها من جهة، وعلى أن تساهم بما تقوم به من نشاط فكري في حرم الجامعة من جهة أخرى».
يرد العريض برسالة مؤرخة في 22 مارس 1954 يجيب فيها عن جميع ما طلبه نقولا زيادة وخصوصاً فيما يتعلق بخلاصة المحاضرة فيذكر الآتي: «... ويسرني ان ارفق طية خلاصة المحاضرة التي ترون من اللازم طبعها وتوزيعها على أعضاء المؤتمر قبيل موعد المناقشة في اليوم التالي لالقائها، فعساها تفي بالمطلوب».
استمرت العلاقات بينهما على احسن ما يرام، الى ان رحل الاديب الشاعر ابراهيم العريض الى جنات الخلد في 29 مايو/ أيار 2002. وحزن على رحيله جميع الاصدقاء وخصوصاً اولئك الذين اجتمعوا تحت مظلة القلم. وقد تأثر نقولا زيادة وحزن حزناً شديداً على فراق أحد اصدقائه المقربين البارزين.
وعندما وجهت الدعوة اليه للمساهمة في حفل اربعينية العريض في يوليو/ تموز 2002 الذي نظم في فندق الخليج، لم يتأخر عن تلبية الدعوة على رغم كبر سنة واعتلال صحته. وشارك بكلمة مفعمة بشعور داخلي صادق تناول فيها الدور الكبير الذي لعبه ابراهيم العريض في سماء الادب والثقافة، وما خلفه من أعمال ساهمت في تطوير وتفعيل الحركة الادبية في الوطن العربي.
لقد رافقته اثناء وجوده في البحرين، وكان يحدثني بحسرة عن ذكرياته مع ابراهيم العريض، وكان يتحدث والألم يعصر قلبه، ويردد عبارة وفاء العريض له في أكثر من مرة. ولقد كان نقولا زيادة وفياً لإبراهيم العريض لدرجة انه رحل الى عالم الخلود في شهر يوليو وهو الشهر الذي جاء فيه الى البحرين من أجل تأبين صديقه الوفي
إقرأ أيضا لـ "منصور محمد سرحان"العدد 1427 - الأربعاء 02 أغسطس 2006م الموافق 07 رجب 1427هـ