العدد 1426 - الثلثاء 01 أغسطس 2006م الموافق 06 رجب 1427هـ

العجم في بلاد العرب، عجب

هشام عبدالرحمن خليفة comments [at] alwasatnews.com

أكواب القهوة السوداء والحوارات الساخنة، تغيير القنوات وتصفح الإنترنت والجرائد... مثل معظم الناس مضيت الأسابيع الماضية متابعاً للحوادث المأساوية في لبنان و غزة. مترقباً آخر الأنباء ومبادلاً الآراء والتحاليل. بدلاً من الكلام السطحي عن حال الطقس وحر الصيف، سألنا بعضنا بعضا عن مهازل الوقت الراهن، عن الضحايا والأبرياء، عن الأبطال وعكسهم من الجبناء، عن المصالح و العوائق والخبث والكلام الفارغ. عن فلان بن علان ولماذا لم يفعل هذا وإلى متى السكوت ومتى يأتي الخلاص؟

باختصار، سياسة. سياسة، سياسة، سياسة. كلمة يمكن أخذها بمفردها، أو ربطها وتفعيمها بالمفاهيم المعقدة، من السياسة الدولية إلى سياسة البيئة و حتى سياسة السياسة. فالسياسة ملصق يبين وجود طرفين أو أكثر والمبادرة في تغيير و ضبط المصالح.

وعند تضارب المصالح؛ مهما تكن، من اقتصادية إلى معنوية، و على أي نطاق، من شخصي إلى جغرافي واسع، نجد بأن السياسة تتحول إلى توتر واضطراب و... حرب شرسة تأكل قلب الإنسان وتجرده من صلبه الخلقي و تلقي به إلى أساليب وطرق مسلوبة من الاتصال البشري والتفاهم. و هكذا، يصبح العرب والعجم و كل ما يدور عجب.

فكيف للإنسان، للمسلم، للعربي، وحتى لأي شخص آخر، أن يواصل مسيرة حياته وتوجهه في الحياة والعمل بينما تهدر دماء الناس هنا وهناك وفي كل لحظة من اليوم. بينما تبث المجازر حية على التلفاز ويطال الحديث في التفسير والنقد وإعادة شريط التاريخ؟

كيف؟ بكوب آخر من القهوة، والرجوع إلى العمل، إلى الكدح من أجل العيش كما كدح آباؤنا وأجدادنا. ولكن لا ننسى بأن العالم مازال حولنا وجزءاً منّا لا ينفصل. وبهذه النظرة لنبادر في طريقنا، وطريقتنا الخاصة إلى إثبات قوميتنا وقدرتنا على التغلب على الطغيان والقمع وكل ما هو خسيس وحاقد على مصداقيتنا.

لنسأل أنفسنا إذاً قبل البدء في مشروع ما، هل نفيد أنفسنا فقط أم نفيد أهلنا و قريتنا وبلدنا... إلخ؟ لنعلم ما هي القيمة الحقيقية على الأمد الطويل بدلاً من ضربة الحظ السريعة. لنتعلم من مقاتلينا وأعدائنا. لنبني قوتنا علمياً، اقتصادياً، وتجارياً. لنترك السياسة لمن لا يعمل و نقوم نحن بالعمل والدراسة وتطوير أنفسنا حتى يأتي اليوم الذي نجد فيه تأثيرنا السياسي أكثر من أي سياسي أو حاكم مخضرم. في يوم نتمكن فيه من مسك السلطة بصوت راسخ يتردد صداه في أكثر من مجال، من المال والأعمال إلى الفنون والعلم.

صحيح أن اليوم لدينا بعض نقاط القوة، مثل النفط. فهو يعتبر من أهم ميزاتنا الاقتصادية، لكن المشكلة هي دائرة الطمع والجهل و المصالح الضيقة. فعلى الشعوب العربية أن تعمل على تطوير نفسها و عدم الاعتماد على سياسات دولهم الضعيفة والمفلسة سياسياً (مفلسة سياسياً؛ لأن إطار مصالحها عادة لا يشمل الشعب). والأهم هو للشباب أن يرتقوا بعملهم و علمهم، بدلاً من الاضمحلال وهدر كل وقتهم في مناقشة السياسة. وعبر التركيز على تطوير أنفسنا يوماً بعد يوم، سنةً بعد سنة، سنتمكن من تفعيل رؤية قائمة على أساس اقتصادي متين، لديه تأثيره على العالم أكثر من أي زعيم مهزوز لا يعرف الفرق بين قائمة المركز المالي و قائمة الدخل.

إذاً ترى بأن كلامي لا فائدة منه فما عليك إلا أن تحتسي كوباً آخر من القهوة وستجد العالم بأكمله بين يديك

العدد 1426 - الثلثاء 01 أغسطس 2006م الموافق 06 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً