صادف يوم أمس (الثلثاء) (الأول من شهر أغسطس/ آب) دخول مشروع إنشاء منطقة للتجارة الحرة بين أميركا والبحرين حيز التنفيذ. يتأمل مقالنا في إيجابيات وسلبيات الاتفاق بالنسبة للاقتصاد البحريني.
تتمثل هذه الايجابيات في، 1- زيادة التصدير إلى السوق الأميركية الضخمة، 2- استقطاب استثمارات من أميركا ودول أخرى، 3- تحسين التشريعات في البحرين.
1- يوفر الاتفاق فرصة للصادرات البحرينية للدخول من دون حواجز إلى السوق الأميركية والتي بدورها تعد الأكبر في العالم. تزيد القيمة السوقية للواردات الأميركية نحو 1700 مليار دولار. كما تقدر قيمة الناتج المحلي الإجمالي الأميركي 12500 مليار دولار (أي أكثر من ضعف حجم الاقتصاد الياباني والذي يعد ثاني أكبر اقتصاد في العالم).
2- يعتقد بأن الاتفاق سوف يساهم في جلب الاستثمارات الأجنبية عموماً. بحسب مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أو (الأونكتاد) فقد بلغت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الداخلة للبحرين 865 مليون دولار في العام 2004. استنادا لنفس التقرير، بلغ حجم تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة (الخارجة) 730 مليار دولار في العالم في العام 2004 (منها 229 مليار دولار استثمارات أميركية أي 31 في المئة من المجموع).
نعتقد أن بمقدور البحرين أن تستقطب المزيد من الاستثمارات (سواء من أميركا أو دول أخرى مثل اليابان) بعد تحسين التشريعات وخصوصاً حماية الملكية الفكرية. يتوقع أن يساهم الاتفاق في إقناع بعض الشركات الأميركية باتخاذ البحرين مقراً لأنشطتها في المنطقة بأسرها. وتشكل هذه المؤسسات تلك العاملة في مجالات الخدمات الصحية والتعليم والتدريب والمحاماة.
3- يوفر اتفاق التجارة الحرة مع أميركا فرصة تاريخية لتحسين بعض التشريعات في البحرين. على سبيل المثال كان هناك إصرار أميركي على استصدار تشريع يضمن حماية كل ما له علاقة بالملكية الفكرية مثل العلامات التجارية وحقوق المؤلف. ولا يوجد ضير في ذلك لأن الحفاظ على حقوق المبدعين والمنتجين مسألة حيوية تهم الجميع. أيضا ينص الاتفاق على الحفاظ على حقوق العاملين مثل توفير بيئة صحية للعمل، ولا يوجد فرق في هذا الخصوص بين العامل المحلي والأجنبي. يشار إلى أن البحرين ألزمت نفسها بتطوير جميع قوانين العمل بتحسين وجعلها تتلاءم مع قوانين منظمة العمل الدولية (ولا بد من تأكيد مسألة توفير شروط السلامة بخصوص سكن العمال الأجانب بدليل الحادث المأسوي الذي وقع في منطقة القضيبية في المنامة والذي أودى بحياة 16 عاملاً أجنبياً).
من جهة أخرى، هناك بعض السلبيات فيما يخص اتفاق التجارة الحرة مع أميركا مثل: 1- السماح للشركات الأميركية الكبيرة بدخول السوق البحرينية، 2- التقليل من شأن التكامل الاقتصادي الخليجي.
1- يمنح الاتفاق الشركات الأميركية العملاقة حرية المنافسة في الاقتصاد البحريني الصغير نسبيا. على سبيل المثال فاق صافي أرباح شركة (أكسون موبايل العاملة في مجال النفط 10 مليارات دولار في الربع الثاني من العام الجاري). يقل هذا الرقم قليلا عن حجم الناتج المحلي الإجمالي للبحرين. بحسب بنود الاتفاق المبرم بين الطرفين، والمصادق عليه من قبل البرلمان البحريني، سيحصل الطرف الأميركي على المعاملة الوطنية للمنافسة في المشتريات الحكومية البحرينية. كما سيتم منح مبدأ المعاملة الوطنية للمواطنين الطبيعيين والاعتباريين الأميركيين فيما يخص المنافسة في مختلف أنشطة قطاع الخدمات.
2- ساهمت الخطوة التي أقدمت عليها البحرين بالدخول في اتفاق للتجارة الحرة مع أميركا في الإضرار بمشروع تحقيق التكامل الاقتصادي الخليجي وتحديدا صدقية مبدأ الاتحاد الجمركي. فالاتفاق يتناقض مع التزام البحرين بمبدأ توحيد التجارة الخارجية مع الدول غير الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي كما هو منصوص عليه في المعاهدات الاقتصادية بين دول مجلس التعاون. الجدير ذكره أن مشروع الاتحاد الجمركي دخل حيز التنفيذ في بداية العام 2003 إذ يفرض رسوماً جمركية موحدة على واردات الدول غير الأعضاء. إلا أنه بموجب اتفاق التجارة الحرة، سيكون بمقدور 100 في المئة من السلع الصناعية والاستهلاكية فضلا عن 81 في المئة من المنتجات الزراعية الأميركية من دخول السوق البحرينية معفاة من الرسوم حال تنفيذ الاتفاق.
لكن لابد من الانتباه إلى أن دولاً أخرى أعضاء في مجلس التعاون كانت أقدمت على مفاوضات لغرض إبرام اتفاقات للتجارة الحرة مع بعض الدول الأخرى (مثل الإمارات مع أستراليا وقطر مع سنغافورة). وفي شهر يوليو (تموز) الماضي صادق الكونغرس الأميريكي على اتفاق للتجارة مع سلطنة عمان. ما نقوله هو أن اتفاق التجارة بين البحرين و أميركا عزز من مسألة الاتحاد الجمركي بين دول مجلس التعاون. وكنت قد أشرت إلى هذه القضية في أحاديثي مع مسئولين أميركيين لكنهم قالوا بأن هذا الموضوع يخص البحرين ولا دخل لهم فيه.
في المحصلة يمكن الادعاء بأن ايجابيات مشروع إنشاء منطقة للتجارة الحرة مع أكثر بكثير من سلبياته لأنه يوفر فرصة تاريخية للانكشاف على أكبر سوق في العالم. علينا أن نعي بأن الناتج المحلي الإجمالي للبحرين يقل عن واحد في المئة من حجم الاقتصاد الأميريكي. يبقى أن ما يهم الآن هو توظيف الاتفاق لخدمة الأهداف الاقتصادية الكبرى للبلاد مثل المساهمة في تعزيز الوظائف وجلب الاستثمارات الأجنبية
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 1426 - الثلثاء 01 أغسطس 2006م الموافق 06 رجب 1427هـ