العدد 1399 - الأربعاء 05 يوليو 2006م الموافق 08 جمادى الآخرة 1427هـ

تحصين الدولة من قوى التدمير المحتملة

بناء الدولة وصنع البحريني المنضبط ()

نادر كاظم comments [at] alwasatnews.com

.

نشأت الدولة الحديثة في البحرين في فترة ما بين الحربين العالميتين، وهذه الفترة هي بمثابة العصر الذهبي في مسيرة تعميم قوانين ولوائح وأجهزة الانضباط العامة في البلاد. وبحسب محمد الرميحي فإن العشرينات كانت بداية التحولات الكبيرة في البحرين اذ شهدت هذه الحقبة «زوال النظام التقليدي ومجيء شكل من أشكال نظام الحكم العصري» (مشكلات التغيير، ص).

وهو ما يتوافق مع ما ذهب إليه مهدي التاجر حين علق أهمية كبيرة على تاريخ البحرين في الحقبة ما بين و، وهي فترة «التحول من العصر التقليدي إلى العصر الحديث. وتعرضت البحرين خلال هذه السنوات إلى تغيرات محتومة وغير مستقرة» (NIARHAB - ، ص)، ومن هذه التغيرات المحتومة وغير المستقرة ولدت الدولة وتكاثرت الدوائر الرسمية وأجهزة الانضباط العام، وصار بإمكان الدولة أن تفرض على الناس سياسة حيوية تتناسب مع طبيعة الدولة الانضباطية. وفي السياق ذاته جرى وضع نظام جديد وثابت وجدول زمني محدد للتعليم والعمل، وعندئذ صارت الأنظمة قادرة على إنتاج مواطنين منضبطين وبمواصفات محددة.

كبح القوى

ومن أجل تحصين الدولة تجاه أية قوة تدمير كان لابد من البدء في كبح قوى التدمير البشري المحتملة من خلال ضبط حدود الدولة وتحديد مجال المراقبة والمعاقبة من خلال تنظيم عمليات الدخول والخروج بما يشمل المقبلين والمغادرين، أو المواليد بما انهم مقبلون جدد إلى حدود الدولة، والوفيات بما هم مغادرون جدد لهذه الحدود. ولهذا اقترنت مهمة بناء الدولة ببدء التفكير في إجراء أول مسح للأراضي في مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني ، وفي العام تأسست دائرة التسجيل العقاري (الطابو) وقامت بإجراء مسح تفصيلي وشامل للقرى والمدن والمناطق الزراعية والأماكن المائية. يذكر أن تسجيل ملكية العقارات لم يكن إلزامياً في ذلك الوقت، وفي العام «أصدرت الحكومة قانوناً يوجب تسجيل جميع عمليات بيع الأراضي والهبات وتحويل ملكيتها. وبعد مرور عامين أعلنت أنها لن تنظر في قضايا المحاكم المتعلقة بادعاء الاستئثار بملكية العقار المرهون وحرمان الراهن من حق استرجاعها إذا لم يكن العقار مسجلاً بدفاتر الدائرة وموجوداً ضمن وثيقة ملكية رسمية» (نكهة الماضي، إعداد وترجمة مهدي عبد الله، البحرين، ط:، ، ج:، ص). وفي هذا السياق قام السيدعدنان الموسوي (توفي العام )، قاضي الشيعة بعد الشيخ خلف العصفور، بحصر وتدوين أملاك الأوقاف الجعفرية من أراض وحظور وعقارات وثقت جميعها في دفتر سمي باسمه (سجل السيدعدنان). ويعتبر «سجل السيد عدنان» هذا أهم سجل تاريخي توثيقي وهو بمثابة المرجع الذي تستند إليه إدارة الأوقاف الجعفرية في تسجيل أراضيها وأملاكها.

إدارة الأجساد

هذه هي الخطوة الأولى في مسيرة بناء الدولة، ثم جاءت بعدها الخطوة الثانية وهي «إدارة الأجساد والتنظيم الحسابي للحياة» والعمليات الحيوية، وذلك من خلال التدخل لفرض سياسة حيوية مثمرة على السكان فيما يتعلق بإحصاء نفوسهم وضبط تكاثرهم ووفياتهم ومراقبة حركاتهم في دخولهم ومغادرتهم. ويذكر بلجريف أنه «وضع قانونا لدخول البحرين ومغادرتها»، وذلك بعد فترة وجيزة من وصوله إلى البحرين في العام ، ويذكر كذلك أنه «لم يكن من الصعب تحديد عدد المقبلين إلى البحرين، ولكن الصعوبة كانت في التحكم بالتسلل غير الشرعي» (السيرة والمذكرات، ص). ويذكر التقرير السنوي لحكومة البحرين أنه بدأ تنظيم عملية السفر من قبل حكومة البحرين في العام هـ (/ )، إذ كلف مسئول دائرة الجمارك بتسجيل أسماء المقبلين عن طريق البحر. وفي السنة الآتية شرع في إصدار الجوازات ووثائق السفر، وكانت «على شكل دفاتر صالحة لمدة سنتين وقابلة للتجديد لمدة أقصاها ثماني سنوات كما أصدرت أوراق سفر لاستخدامها في التنقل بين إمارات الخليج» (نكهة الماضي، ص، وانظر ص). وتبع ذلك إصدار قانون الجنسية البحرينية في مايو/ أيار والذي يحدد البحرينيين في أنهم «جميع الأشخاص الذين ولدوا في البحرين قبل أو بعد تاريخ هذا القانون» و«الأشخاص الذين ولدوا في الخارج قبل أو بعد تاريخ هذا القانون الذين آباؤهم أو أجدادهم من الأب كانوا مولودين في البحرين». إلا أن التسلل غير الشرعي بقي مشكلة مؤرقة «وحتى العام لم يكن هناك نظام لتسجيل المواطنين أو الأجانب المقيمين يمكن عن طريقه التعرف على المهاجرين اللاشرعيين» (نكهة الماضي، ص). وغالبية هؤلاء المهاجرين اللاشرعيين يأتون كعمال من إمارات الخليج وإيران، «ويجازف الإيرانيون عادة بالدخول إلى البحرين بمجموعات كبيرة بحثاً عن العمل والاستقرار»، كما أن «معظم هؤلاء لديهم أصدقاء في البحرين يعملون على إخفائهم لبعض الوقت إلى أن يجدوا أحداً يشهد أنهم ولدوا أو نشأوا أو على الأقل أمضوا سنوات طويلة» في البحرين (نكهة الماضي، ص).

إحصاء النفوس

وبعد مسح الأراضي وضبط حدود الدولة وتنظيم حركة الدخول والمغادرة وتعريف من هو البحريني قانونياً، بعد هذا يأتي دور مسح البشر (إحصاء النفوس) وضبط توزيعهم وتنظيم عملياتهم الحيوية من لحظة الولادة وما قبلها. وشرع في ذلك من خلال تقنين عمل القابلات. وقامت بلدية المنامة في سبتمبر/ أيلول بإحضار قابلة قانونية لأهالي المنامة وما جاورها من القرى، ومن أجل إعلام الأهالي «أصدرت إعلاناً في سبتمبر من العام نفسه حددت فيه مهمات القابلة في كونها تعمل في الليل والنهار، أنها ستقدم طلبات أهل المنامة على طلبات القرى الأخرى، وحددت البلدية أجرة التوليد الرسمية من أربعين روبية إلى عشرين روبية. أما الفقراء المعوزون فتوليدهم على نفقة البلدية» (حكايات من البحرين، ص)، واشترطت البلدية على القابلة «ضرورة استمرار علاج النساء اللواتي أصبن بآلام بعد الولادة إلى حين شفائهن»، كما حظرت عليها «علاج أو توليد النساء المصابات بأمراض خطيرة». وبعد نجاح التجربة في المنامة قامت بلدية المحرق بتعيين قابلة قانونية لأهالي المنطقة هناك. وفي مطلع الستينات «اختفت القابلات الشعبيات من الحياة وبقين مجرد ذكريات عند مئات الأمهات في البحرين» (حكايات من البحرين، ص)، وتزامن هذا الاختفاء مع انتشار الوعي الصحي بضرورة التوليد في المستشفيات وبواسطة قابلات قانونيات. وبعد أن كان الجميع يولدون في البيوت وبطرق بدائية متنوعة وعلى أيدي قابلات شعبيات غير قانونيات، صار الجميع يولدون في المستشفيات وبواسطة أطباء وممرضات متخصصات حتى تضاءل عدد المواليد البحرينيين في المنازل، إلى أن وصل عددهم في العام إلى () مولوداً، ومعظم هؤلاء ولدوا في الطريق إلى المستشفى بحسب ما تذكر إحصاءات وزارة الصحة للعام .

الإلزام بالتسجيل

ثم صار الجميع ملزماً بتسجيل المواليد في سجلات الصحة، وينص «قانون تسجيل المواليد والوفيات» للعام في المادة () على ما يلي: «في حال حدوث أية ولادة، سواء كان المولد حياً أو ميتاً، يلزم التبليغ عنها، خلال فترة لا تتجاوز أسبوعاً من حدوث الولادة»، ويشترط القانون أن يشتمل التبليغ على البيانات مفصلة ودقيقة عن يوم الولادة بالتاريخ الهجري والميلادي موضحا بالأرقام والحروف، وعن مكان الولادة، وعن اسم الطفل ونوعه: ذكر أو أنثى وهل ولد حياً أو ميتاً، وعن اسم الوالد الثلاثي وسنه وجنسيته وديانته ومهنته ومحل إقامته، وعن اسم الوالدة ثلاثياً وسنها وجنسيتها وديانتها ومهنتها ومحل إقامتها، وعن اسم المبلغ وسنه ومهنته ومحل إقامته وقرابته للمولود، وعن اسم الطبيب أو المولدة اللذين أشرفا على الولادة.

وينص القانون ذاته على وجوب التبليغ عن المتوفين في البحرين بما في ذلك الأطفال المولودون أمواتاً بعد أسبوعاً من الحمل، على أن يشمل التبليغ بيانات مفصلة عن يوم الوفاة بالتاريخين الهجري والميلادي موضحاً بالأرقام والحروف، وعن محل الوفاة، وعن نوع المتوفى واسمه الثلاثي وسنه وجنسيته وديانته ومهنته ومحل إقامته، وعن اسم والديه ثلاثياً، وعن سبب الوفاة.

لم يعد الناس، بعد هذا، مخيرين في أن يسجلوا مواليدهم ووفياتهم في سجلات الصحة أو يمتنعوا عن التسجيل، فهذا القانون يلزم الجميع بالتبليغ عن أية ولادة وأية حال وفاة. وبعد التسجيل ستعتمد هذه البيانات «الوثائق الرسمية الوحيدة لإثبات واقعات المواليد والوفيات ابتداء من تاريخ نفاذ هذا القانون»، فلا يجوز، بحسب المادة ()، تغيير «أي بيانات قيدت في سجل المواليد والوفيات إلا بناء على قرار من المحكمة وبعد دفع الرسم المقرر». وسيعاقب كل من يخالف مواد هذا القانون «بالحبس مدة لا تتجاوز شهرين وبغرامة لا تتجاوز خمسين ديناراً أو بإحدى هاتين العقوبتين»

إقرأ أيضا لـ "نادر كاظم"

العدد 1399 - الأربعاء 05 يوليو 2006م الموافق 08 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً