عندما قرأت خلاصات دراسة «هيئة الدفاع عن الصحافيين» التحليلية عن الدول العشر الأكثر تضييقاً على الإعلام والصحافة، لم يفاجئني وجود اسم سورية بين تلك الدول. ذلك ان الحديث عن إشكالات الإعلام في سورية كان مادة رئيسية من الموضوعات التي كتب فيها إعلاميون ومثقفون وناشطون سوريون في السنوات الست الماضية، وكان بينهم عدد من الرسميين السوريين بمن فيهم وزراء إعلام بعضهم جاء إلى منصبه من مهنة «صاحبة الجلالة».
ومعظم الذين كتبوا، ركزوا على أربع قضايا أساسية في مشكلة الإعلام السوري، المشكلة الأولى، تكمن في نهج السيطرة التي تكرسها الدولة على الإعلام بأنواعه المرئية والمسموعة والمكتوبة، إذ ما زالت الدولة تملك معظم وأهم المؤسسات، وتسيطر على المفاصل الإعلامية الرئيسية في المجالات الثلاثة، ومشاركة القطاع الخاص بما فيها إعلام الأحزاب المنضوية في إطار الجبهة الوطنية حليفة الحزب الحاكم، ليست سوى مشاركة شكلية من حيث حجمها ومن حيث محتوياتها في علاقتها بالشأن السياسي العام والساخن منه خصوصاً، وفي الخلاصة لا يمكن مقارنة ما تملكه الدولة من قدرات وإمكانات في مجال الإعلام مع ما يملكه غيرها في سورية. والمشكلة الثانية في موضوع الإعلام السوري، تتمثل في عدم توافر مستوى من الحريات، التي تسمح للإعلام وللصحافيين القيام بالدور المطلوب في التعامل مع المجتمع وتناول قضاياه بصورة تفاعلية. ففي غالبية الأحيان لا يتعدى دور الإعلام السوري تغطية النشاط الحكومي، وتقديم رؤية الحكومة للمشكلات الأساسية، والطريقة الحكومية في التعامل معها، ونادراً ما تتمكن أجهزة إعلامية أو شخصيات إعلامية من خرق هذا الخط، وفي كل الأحوال، فإن خرق الخط يعني البقاء على هوامش القضايا التي يجري تناولها. ففي قضية الفساد التي يجري الاعتراف رسمياً بوجودها بشكل خطير، لا يتم كشف وتناول سوى حالات محدودة وجزئية، وتركيز على فاسدين صغار، لا يتجاوزون مرتبة مدير في أحسن الأحوال.
والأمر الثالث في مشكلة الإعلام السوري، يبدو في وجود قوانين تقيد العمل الإعلامي بطريقة تمنع تطوره بصورة طبيعية، والأبرز في هذا الجانب قانون المطبوعات الذي يضع شروطاً شديدة القسوة ليس في موضوع إصدار المطبوعات فقط، وإنما شروطاً تجعل من ممارسة العمل في المجال الإعلامي شديدة الصعوبة من النواحي المهنية والمادية، وثمة قوانين أخرى تقيد العمل الإعلامي بطريقة غير مباشرة، ومنها قانون الطوارئ وقانون أمن الدولة اللذان يساهمان في تقييد المؤسسات الإعلامية والحد من قدرات ونشاط الإعلاميين.
والنقطة الرابعة في مشكلة الإعلام السوري، تظهر في تكريس نظام رقابي مؤثر يقيم فصلاً بين المرسل والمتلقي في مجال الإعلام وتبادل المعلومات، وللنظام الرقابي السوري في المجال الإعلامي شكل معقد، ومتداخل العناصر، تتشارك فيه جهات أمنية وأخرى إدارية وجهات تقنية، لكن الأمر في جوهره يخضع للجهاز الأمني الذي يوجه بالمنع والرقابة، ويتدخل في بعض الأحيان بصورة مباشرة، فيما تقوم الجهات الإدارية في وزارة الإعلام ومؤسساتها بوضع أنظمة ومسارات الرقابة العامة، وتقوم الجهات التقنية، التي يكاد يكون نشاطها الأساسي في ميدان الانترنت، وأساسها في وزارة الاتصالات وفي الجمعية السورية للمعلوماتية من مالكي ومقدمي خدمة الانترنت بدور مهم في العملية، إذ يقوم فنيوها بحجب المواقع، وتشفير بعضها، وممارسة الرقابة على البريد الإلكتروني للمستخدمين من الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية.
وتركت تلك النقاط آثاراً عميقة في واقع الإعلام السوري والعاملين فيه، اذ حولت القسم الأكبر من العاملين في المؤسسات الإعلامية السورية إلى مجرد «موظفين» و«بيروقراطيين» وكثير منهم غارق في «فساد صغير» أساسه رشوات ومنافع صغيرة، تساعده على استمرار العيش من دون طموحات مهنية، لا تتوافر لها أجواء عامة مناسبة، وليس من جهود تبذلها المؤسسات الإعلامية، أو المنظمة النقابية من أجل تطوير قدرات الاعلاميين السوريين في المجالين المهني والتقني.
لقد تكاملت العوامل والظروف في تشكيل صورة بائسة للإعلام في سورية، وشوهت تلك العوامل وتداعياتها الصورة الإجمالية للإعلاميين السوريين، وكلاهما كان بين مبررات الحديث عن الإعلام السوري وتردياته في مواجهة التحديات التي تقابله والمطروحة على سورية المعاصرة، وعجزت كل الجهود والمحاولات في دفع السلطات السورية نحو القيام بإجراءات عملية تخرج الإعلام من مشكلاته، وتبدل صورته، ما جعل اسم سورية يتكرس في لائحة الدول العشرة الأكثر تضييقاً على الإعلام والصحافيين في العالم اليوم
العدد 1399 - الأربعاء 05 يوليو 2006م الموافق 08 جمادى الآخرة 1427هـ