في مطلع شهر مايو / أيار غيّب الموت الإعلامي البارز أحمد فراج. وقد بدأت مسيرته الإعلامية بمشاركته في نقل الإذاعات الخارجية وحفلات أم كلثوم الشهرية في الإذاعة المصرية التي كنا نتابع عبرها برنامج المائدة المستديرة. وإن بدايته الإذاعية كانت في العام . وأول مرة التقيته كانت في العام في برنامجه على الهواء «نور على نور» في مقر التلفزيون المصري في شارع ماسبيرو الواقع على كرنيش النيل، كنا طلبة جامعيين متحمسين إلى مثل هذه البرامج إذ أشتري التذاكر ونحضر إعداد البرامج المهمة، وأول مرة حضرته كان فراج يجري مقابلة مع الداعية الإسلامي الكبير الشيخ محمد غزالي الشخصية المحببة إلى الناس وصاحب النكتة والدعابة الجميلة. كانت المطربة صباح الغزالي تحضر برنامجه التنويري، هذا وقد فوجئنا نحن طلبة جامعة القاهرة بسؤال الشيخ الغزالي قبل إجراء المقابلة هل نحن هنا لرؤية المطربة صباح وزوجة أحمد فراج التي تزوجها في العام ولمدة عام فقط وظهر معها في فيلم واحد (ثلاثة رجال وامرأتان) ثم افترقا؟ ومن المعروف أن صباح قد تعددت زيجاتها في مصر ولبنان ودول أخرى أم أننا هنا لمتابعة البرنامج الديني؟ ثم فوجئنا بإجابته على سؤاله نفسه الذي طرحه بقوله بلهجة مصرية (أهو من ده وده) وهي أغنية لأم كلثوم الحب كده من هنا ضحكنا جميعاً. إنها شخصية إنسانية حميمة قبل أن تكون شخصية دينية واعظة تحض الناس على العمل بأمور دينهم ودنياهم. كما حضرت مقابلات أجراها أحمد فراج مع أمينة السعيد وهي مثل سهير القلماوي وعائشة عبدالرحمان بنت الشاطئ من الشخصيات النسائية العظيمة ولهن ثوابت أخلاقية ودينية ووطنية وقومية، وهي تبحث عن العدالة والمساواة. وكانت أمينة سعيد معروفة بدفاعها عن حقوق المرأة المصرية وعن كل مكتسباتها في الساحة المصرية. ومن الشخصيات التي أجرى معها أحمد فراج عدة مقابلات الشيخ ومحمد أبوزهرة أستاذ الفقه والشريعة الإسلامية، وهو عالم في الفقه ولحديث. وقد حرصت على حضور محاضراته في مدرجات كلية الحقوق بجامعة القاهرة، وهي لا تعبد عن كلية الآداب التي ندرس فيها إلا بضع خطوات مشيا على الأقدام ومن الشخصيات المهمة في كلية الحقوق تلك كمال أبوالمجد استاذ القانون الدولي الذي أصبح وزير للإعلام إبان فترة حكم الرئيس أنور السادات. ويذكر ان أحمد فراج قدم خلال برنامج الديني والتنويري الكثير من الشخصيات الإسلامية والعلماء والدعاة وقد نجح في برنامجه هذا في الوصول إلى أفئدة الناس وعقولهم وبأسلوب بسيط من خلال الموعظة الحسنة وبواسطة علماء قادرين على أن يقدموا ما نطلق عليه السهل الممتنع. كانت مصر في مطلع الستينات عضو مؤتمر باندونغ لدول عدم الانحياز الذي انبثق إلى الوجود العام في اندونيسيا وضم أقطابها وهم الرؤساء تيتو وجمال عبدالناصر ونهرو وأحمد سوكونو. إنه معارضة للرأس مالية الغربية بقيادة أميركا. وكانت مصر آنذاك خرجت العام من تأميم قناة السويس وحرب السويس ومعركة ناصر العدوان الثلاثي والمتمثل في بريطانيا وفرنسا و«إسرائيل» وقد حارب ناصر حلف بغداد بشراسة وتصدى له بكل قوة ثم رفض مبدأ الرئيس الأميركي ايزن هور والمتمثل في ملء الفراغ في الشرق الأوسط.
كان ناصر آنذاك بطلاً قومياً للعرب من الخليج إلى المحيط. إنها مرحلة المد القومي الجارفة وروجت لها أجهزة الإعلام المصرية من صحافة ومن صوت العرب الذي اسسه أحمد سعيد. واحتفلت مصر بيوبيله الذهبي منذ سنتين. إنه صوت العروبة النابض من القاهرة. كانت شعاراته طاغية وصارخة وهي تدغدغ عواطف وحس الجماهير، وكان العقاد يطلق عليها الدهماء. وقل مثل ذلك من التنديد والإدانة باغتصاب فلسطين من الصهاينة ومن دون العمل الفعلي الحقيقي لتخليصها منهم، ثم الترويج للاشتراكية على النهج السوفياتي ودول أوروبا الشرقية. وكان اقتصادها ضعيفاً ومتخلفاً ولا يقوى إطلاقا على مناقشة الاقتصاد الأوروبي الغربي والأميركي العملاق الذي يعتمد على الإنتاج الضخم في مجال الزراعة والصناعة. في مصر الثورة قضت على رموز الإقطاع وعلى رأسهم بدراوي عاشور، لكنها ارتكبت أخطاء مميتة حين فتتت الأرض الزراعية واعطتها لأجراء غير قادرين على استثمارها بصورة اقتصادية سليمة.
وفي الدول العربية وفي دول الخليج عشنا واجهة عربية جميلة براقة وزاهية وذات أحلام وردية. بينما عانت مصر من مشكلات سياسية واقتصادية خطيرة ليس هنا مكانها
إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"العدد 1399 - الأربعاء 05 يوليو 2006م الموافق 08 جمادى الآخرة 1427هـ