يناقش مقال اليوم التداعيات الاقتصادية بخصوص التمثيل المبالغ فيه للأجانب في بلادنا. تتمثل هذه التداعيات في إرسال الأموال إلى الخارج وتحمل المجتمع البحريني أنواعا من الكلف الأخرى مثل التسبب في تدني مستويات الأجور فضلا عن قيام بعض الأجانب بممارسة مهنة التجارة من دون وجود سند قانوني.
ديناراً شهرياً كلفة الأجنبي
توصلت الدراسة التي قام بها فريق العمل في مؤسسة ماكينزي أن كلفة كل فرد أجنبي يعمل أو يعيش في البحرين تبلغ ديناراً شهرياً ( دولارات). هذه الكلفة يتحملها المجتمع أو الاقتصاد البحريني عن طريق استخدام أو سوء استخدام المرافق العامة وتتوزع على النحو الآتي: ( ديناراً) للأمن العام، ( دنانير) للأشغال، ( دنانير) للكهرباء والماء، ( دنانير) للصحة، ( دنانير) لوزارتي العمل والتنمية الاجتماعية، و( دنانير) لأمور أخرى.
وإذا علمنا بأن عدد الأجانب في البحرين بلغ ألفاً في العام يتبين لنا أن الكلفة التي تحملها المجتمع بلغت نحو مليون دينار. لكن كما أشرنا في مقال أمس (الأربعاء) فإن هناك كلاما مفاده أن العدد الحقيقي للأجانب في حدود ألف فرد، الأمر الذي يعني أن الكلفة الحقيقية أعلى بكثير.
وللتوضيح لابد من الإشارة إلى أن المجتمع البحريني يدفع ثمن استخدام الأجانب للخدمات العامة. لاحظ على سبيل المثال قرار الحكومة بتخصيص عملية إنتاج الكهرباء لأسباب مختلفة منها الكلفة العالية بتوفيرها. لكن علينا أن نعي بأن الخصخصة تتسبب في فقدان بعض المواطنين لأعمالهم، وفي ذلك خسارة للمجتمع البحريني بأسره. وعلى هذا الأساس يساهم الوجود غير الطبيعي للأجانب في السياسات الاقتصادية التي تتبناها الحكومة. كما أن المشكلات المرتبطة بالأجانب تستدعي توظيف المزيد من الشرطة الأجانب وهكذا نعيش في دوامة.
تدني الأجور
تبين لنا في الآونة الأخيرة أن هناك أكثر من ألف بحريني يعملون في القطاع الخاص يحصلون على أجور تقل عن دينار ( دولاراً) شهريا. ويعتقد أن أحد أسباب هذه الحقيقة المرة هو الوجود الكثيف للأجانب في القطاع الخاص. كما أشرنا بالأمس شكل العمال الأجانب في المئة من مجموع القوى العاملة في القطاع الخاص (تحديدا من أصل فرداً في العام ).
كما يقوم عدد من هؤلاء بعمل مقارنة مع الأجور السائدة في بلدانهم مثل الهند (يبلغ الحد الأدنى للأجر في منطقة كيرالا في الهند نحو دينارا بحرينيا أو دولاراً شهريا). فالأجنبي عندنا يحصل على راتب أكثر بكثير عن ديناراً شهريا في كل الأحوال. من جهة أخرى، يلاحظ أن وزارة العمل ترغب في فرض حد أدنى للأجور مقداره دينار شهريا ( دولاراً). وبكل تأكيد سيتم تطبيق القانون على جميع العمال بمن فيهم الأجانب، وذلك نظرا إلى ارتباط البحرين بمعاهدات دولية تحرم التفريق في الدفع بين المواطن والأجنبي. والمعروف أن القطاع العام ملتزم بحد أدنى للأجر مقداره دينار شهريا.
ظاهرة الاقتصاد الخفي
يبقى أن هناك أمورا أخرى تتعلق بالعمالة الأجنبية غير مثبتة بشكل صحيح في الإحصاءات الرسمية. فهناك حالات من قيام بعض الأجانب بممارسة التجارة من منازلهم مثل الاتفاق مع بعض ذوي جلدتهم على توفير الأطعمة على مدار الشهر مقابل مبلغ متفق عليه سلفا. كما يقوم البعض الآخر بتسليف مبالغ من المال لقاء نسبة فائدة مرتفعة في العادة نظرا إلى وجود الحاجة لدى المقترض وعدم وجود فرصة لحصوله على قرض من المصارف المرخصة. طبعا تتم هذه العمليات خارج الإطار القانوني لمملكة البحرين. ويعتقد أن أحد أسباب انتشار جريمة الانتحار في أوساط الأجانب في بلادنا (في الغالب بواسطة المروحية) يعود إلى التعقيدات المرتبطة بمسألة التسليف. بمعنى آخر، هناك اقتصاد خفي غير واضح للعيان أبطاله الأجانب الموجودون والمنتشرون في كل حدب وصوب في أرجاء البحرين. وعلى هذا الأساس يمكن الادعاء بأن الحجم الحقيقي للاقتصاد البحريني أعلى من الأرقام الرسمية بسبب وجود اقتصاد آخر (تحت الأرض).
إرسال الأموال إلى الخارج
لاشك أن من حق العمالة الأجنبية إرسال الأموال إلى الخارج، إلا أن المتضرر الأول هو الاقتصاد البحريني. فحسب تقرير لوحدة المعلومات في مجموعة الإيكونومست البريطانية، تقدر قيمة الأموال المرسلة من البحرين إلى الخارج بنحو مليار و مليون دولار سنويا (أي نحو مليون دينار). ويمثل هذا الرقم أكثر من في المئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي البحريني. والمؤكد أن خروج هذه الأموال يشكل نزيفا للاقتصاد، الأمر الذي يستدعي توفير أدوات تشجع بقاء جانب من هذه النقود في داخل البلاد. ومن جملة الأدوات التي توفرها الحكومة في هذا الصدد السماح للأجانب بالتملك في بعض أجزاء البحرين، فضلا عن السماح لهم بالمتاجرة في سوق الأسهم. فكما أشرنا سلفا فإن للأجانب تأثيرا واضحا على السياسات التي تتخذها الحكومة. يبقى أن هناك سلبيات مرتبطة ببعض هذه السياسات الاقتصادية.
ختاما، لابد من توضيح نقطة مهمة وهي أننا لسنا ضد الأجانب في أي حال من الأحوال، بل ان البحرين ستبقى دائما بحاجة إلى العمالة الأجنبية لكن لكل شيء حدود. يبقى كما أشرنا في مقال الأسبوع الماضي فإن القوانين المعمول بها في البحرين لا تحارب بالضرورة ظاهرة استغلال الأجانب، ما يعني إفساح المجال أمام تنامي الوجود الأجنبي على أرض مملكتنا
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 1399 - الأربعاء 05 يوليو 2006م الموافق 08 جمادى الآخرة 1427هـ