توقفت عقارب الزمن في العالم كله بمجرد إعلان اختطاف جندي إسرائيلي واحد (فقط) في قطاع غزة. وهذا الجندي «المسكين» لا حول له ولا قوة، فقد ذهب لفك الحصار عن الفلسطينيين وتقديم الطعام والماء والدواء لهم منذ أن انقطعت مساعدات العالم عقابا لهم على ممارسة الديمقراطية التي طالما اتهموا الزعماء العرب بعدم ممارستها مع شعوبهم.
إن الجندي المخطوف المسكين ذهب مع فرقته العسكرية إلى هناك ليمسح على رؤوس اليتامى الذين ورثهم شارون ضمن اجتياحاته الإنسانية المتعددة لأرض السلام التي لم تعرف السلام قط منذ أن دخلها اليهود. هذا الجندي ذهب إلى هناك في مهمة إسرائيلية صهيونية يهودية «إنسانية» و«شريفة جداً» وهو يحمل على ظهره حقوق الفلسطينيين المهدورة منذ ستين عاما من دون أن يحرك أحد ساكنا: فذهب يعيد لهم جزءا من حقوقهم التي استولت عليها قطعان المستوطنين اليهود، هذا الجندي المختطف، ربما لا يعلم بأنها فرصته الوحيدة والأخيرة لكي يعيش في السلام الذي طالما حلمنا به بين اليهود والمسلمين، وربما هي فرصته الوحيدة لكي يشعر بمعاناة الإنسان الفلسطيني وآلامه وأحزانه وجراحه وصمته الكبير ويفهم سر وجوده، ويعرف عن طريق الإنسان الفلسطيني حقيقة الإنسان المسلم التي شوهت صورته وسائل الإعلام الغربية التي يسيطر عليها اليهود في كل مكان، لاشك أنه سيتذوق طعم الزعتر الفلسطيني ورائحة الزيت الفلسطيني ويتناصف قطعة الخبز الفلسطيني مع آسره الفلسطيني ويأكل من كرم العرب الذي لم يقرأ عنه في كتب التاريخ، ذلك الخبز الذي حرّمته «إسرائيل» على فم هذا الشعب المشرد لخاطر عيون أطفال «إسرائيل».
لا أشك ولا يشك أحد في أن آسريه سيعاملونه خيرا من معاملة حكومته له والتي زجت به في معركة لا ناقة له فيها ولا جمل، وأن دمه في نظر أولمرت وشارون ونتنياهو أرخص من دم أبنائهم الذين ينامون على وسائد الأموال المسروقة، والفضائح النتنة، والعنصرية الرخيصة
إقرأ أيضا لـ "ايمان عباس"العدد 1397 - الإثنين 03 يوليو 2006م الموافق 06 جمادى الآخرة 1427هـ