هذا ما انتهى إليه البرلمان الموقر إذاً. سبابٌ وشتائمُ وتنابزٌ وترهات، وأخيراً لكمات! فهل هذا ما ينتظره الشعب منكم؟
صور «المعركة» احتلت الصفحات الأولى من صحف يوم الأحد، والبعض علّق عليها بأنها «عيب»، فيما برّر آخرون ما حصل باعتباره مسألةً تحدث في برلمانات الدول الأخرى. وما بين التهوين والتهويل، ينبغي أن نفكّر في الأمر ملياً، ففي الحد الأدنى نجد أنفسنا أمام قاموسٍ معيبٍ من الشتائم، يبدأ بـ «مرتزقة» و«سوّد الله وجهك يا حقير»، ولا ينتهي عند كلمة «حمار»! ولا ندري كم وفّروا على لغة الشوارع فلم يستخدموها تحت قبة البرلمان. فهذا القاموس الذي يجهد كلّ أبٍ وأمٍ على تربية أبنائه بعيداً عن مفرداته، نرى نواب الشعب يتفننون في تدويره على ألسنتهم في جلساتهم الاسبوعية، وفي كل مرة يختلقون قضية ليتشاتموا ويتلاكموا بينما تتعطل مصالح ناخبيهم.
لنكن واضحين من البداية، انه ليس مقبولاً ما يحدث بدعوى انه يحصل في البرلمانات الأخرى، فما يحدث هناك مرةً كل أربع سنين، لذلك تهتم بتناقله وكالات الأنباء، أما ما يحصل عند جماعتنا فهو أربع مرات في الشهر! وحتى لو حصل في بعض البرلمانات، فلماذا «يقتدي» بهم نوابنا في هذا الجانب السيئ ولا يقتدونهم في الدفاع عن مصالح الناس والحفاظ على المال العام؟
البرلمانات الأخرى لا تعيش في منطقة احتلالات، وتتعرّض إلى مؤامرةٍ خطيرةٍ تستهدف وجودها واستقرارها، بهدف تفجير كل التناقضات الطائفية والعرقية فيها. من هنا فإن المقارنة أو تبرير السلوكات الشائنة غير مقبول في هذا الظرف على الإطلاق.
الكثيرون خاب أملهم في أداء البرلمان بتركيبته الحالية الهشة، وذلك حقهم، فعلى الأقل أن لا يحوّلوه إلى بؤرةٍ لتصدير العنف إلى الشارع، وإثارة الاحتقان في بلدٍ لا تنقصه عوامل الاشتعال. وإذا عجز النواب عن الارتقاء إلى مستوى تمثيل الشعب بطريقة حضارية، فعلى الأقل ألا يسيئوا إليه بتقديم هذه الصورة المشوهة لشعب البحرين، باعتماد لغة السباب والشتائم والتنابز فوق منصة البرلمان.
ثم إن من حق المواطنين أن يحاسبوا هؤلاء النواب، خصوصاً أن سلوكياتهم العنيفة هذه لن تنحصر في ردهات المجلس بعد أن يتبادل المتلاكمون القبلات ويبوسون لحى أو ذقون بعضهم بعضاً، بل إن الشرارة تنتقل إلى خارج البرلمان لتشعل النفوس البريئة بالضغينة والأحقاد، بعد أن تأخذ منحى طائفياً مقيتاً نحن في غنى عنه. ومن هنا يصدّر البرلمان قيم العنف الطائفي إلى الشارع عبر ممارسات أعضائه، بدل أن يكون مصهراً لتحقيق التلاحم والتوافق وتعزيز الوحدة الوطنية.
نواب البرلمانات الأخرى، تكون خلافاتهم حول قضايا الوطن ومصالح الناس، ولذلك تجدهم حريصين على إدارة خلافاتهم بينهم بطريقة حضارية غالباً، أما البرلمانات التي مازالت تعاني من خللٍ نفسي وطائفي وثقافي، فسرعان ما تتحوّل المناقشات فيها إلى عملية «تدوير» للأحقاد الشخصية والفئوية. هم يشعلون عود الثقاب، ويحترق به من لا ناقة لهم ولا جمل... فهل ينتظر النواب عندنا أن يكفر الناس بهم جميعا، حتى يخرجوا إلى الشوارع صارخين: «هؤلاء لا يمثلوننا»؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1397 - الإثنين 03 يوليو 2006م الموافق 06 جمادى الآخرة 1427هـ