في ضوء الفعاليات التي تشهدها دول المجلس حول اشكالية التوطين وآخرها تلك التي عقدت في دبي الأسبوع الماضي، تبرز أمامنا قضية التوطين كاحدى القضايا الملحة التي يجب معالجتها في ضوء جملة مشروعات الإصلاح التي يتم التعاطي معها حالياً. أي في إطار برامج التنمية ككل.
وابتداء نقول، إن التوطين بما أخذه من مسميات شتى في دول مجلس التعاون الخليجي )البحرنة او العممنة او السعودة أو... الخ( انطلق في أهميته منذ نحو عشرين عاماً، أي بعد التراجع الأول للإيرادات النفطية في منتصف الثمانينات، وتنامي العجوزات المالية، إذ بات واضحاً منذ ذلك الوقت أن دول المنطقة لن تعيش عصراً ذهبياً مستمراً كان قد بدأ منذ منتصف السبعينات، وانما يجب أن تستعد لدورات من الركود وشد الاحزم، وبالتالي، لابد من إعادة النظر في نماذج التنمية التي تم تبنيها آنذاك والقائمة على مجتمع الرفاهية. وأحد الأمور المهمة التي فرضت نفسها لإعادة المراجعة هو موضوع العمالة والتنمية البشرية، وخصوصاً أن الطفرة الكبيرة في خدمات التعليم الثانوي والجامعي بات يخرج مئات الآلاف من الشباب الباحث عن فرص عمل ملائمة، في حين امتلأت أسواق العمل بالعمالة الأجنبية الرخيصة.
ان التوطين بمفهومه المتداول هو إحلال العمالة المواطنة محل العمالة الوافدة لمنحها فرصة العمل في وطنها. وهذا حق كفلته الدساتير والشرائع الإنسانية، وعلى الدولة بهيئاتها ومؤسساتها ودوائرها ان توجد فرص العمل للمواطنين. لقد باتت قضية التوطين تمثل قضية محورية لدى الحكومات والدول وذلك لارتباطها المباشر بالاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي والاقتصادي، وباعتبارها الأساس الحقيقي في تنمية المجتمع والفرد. ومن اجل ذلك، فإن الدول المتقدمة ومن خلال فهم دقيق لمعنى ابعاد التوطين، تولي هذه القضية اهتماماً كبيراً ومن اجلها تشرع القوانين وتسن التشريعات، وتضع الاستراتيجيات والسياسات التي تحقق التوطين الحقيقي على صعيد الإنسان والاقتصاد والوطن. أما في دول العالم الثالث، فإن هذه القضية لم تحظ لديها بعد بالاهتمام المطلوب. وبالتالي كان من الطبيعي ان تتعرض هذه الدول لمخاطر التخلف والتراجع والصراع الداخلي، وعدم الاستقرار الأمني والاجتماعي والاقتصادي والسياسي. وفي دولنا الخليجية، نحن نلاحظ للأسف أن موضوع التوطين لم يبرز كجزء من استراتيجية شاملة للتنمية البشرية، وانما فرضته ظروف حقبة تراجع العائدات النفطية، ولاسيما منذ منتصف الثمانينات، وبالتالي تراجع حجم المشروعات الحكومية كما ذكرنا، والذي انعكس بدوره على حجم نشاط القطاع الخاص. وقد نجم عن ذلك الانحسار، انخفاض حجم الوظائف المتوافرة، والتنامي التدريجي للبطالة في صفوف العمالة الوطنية.
والجدل الدائر حالياً بشأن برامج التوطين هو في جوهره لا يدور - وكما يبدو للوهلة الأولى - حول أحد المرتكزات التي أسس عليها القطاع الخاص مجمل أنشطته خلال أكثر من عقدين من الزمن )ونعني بذلك العمالة الأجنبية الرخيصة( فقط، بل يتجاوز ذلك الى مجمل سياسات التنمية البشرية وكفاءة العمالة الوطنية وإنتاجيتها وغيرها من الموضوعات
العدد 1397 - الإثنين 03 يوليو 2006م الموافق 06 جمادى الآخرة 1427هـ