العدد 1396 - الأحد 02 يوليو 2006م الموافق 05 جمادى الآخرة 1427هـ

فلسفة العراك النيابية...

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

كنت ومازلت أعتقد أن في تجربتنا السياسية شيئاً من جنون الألماني «نيتشه»، وكلما قرأت وشاهدت أحوال سياستنا المحلية، تأكدت لي هذه المقولة، فنحن «نيتشويون» بامتياز من دون أن ندري!

صراعات الأيدي الجديدة في مجلس النواب تتوافق - نيتشوياً - مع ضرورة طبيعية السياسة الجديدة، فالإنسان السياسي المتطور لدى نيتشه هو ذلك الإنسان ابن «الطبيعة»، والذي يخضع لقانون الطبيعة وأحكامها التلقائية لا لقوانين البرلمانات وضوابطها الداخلية، فحين لا يستوعب أحدهم ما تقوله له، لابد من أن تكون طبيعياً سواء عبر استثمار تقنية «الشطح» أو «النطح»، فالأمر سيان، وهنا قمة طبيعيتنا السياسية، بلا تعقيد.

من زاوية أخرى، أعتقد أنه من الجميل أن تنقل عنا الوكالات الدولية مثل هذه الأنباء، فغالباً ما تميل محطات «التلفزة» إلى نقل مثل هذه الحوادث داخل البرلمانات العربية، وغالباً ما تنتهي مثل هذه الأخبار بابتسامة ماكرة من المذيع، وهنا رؤية نيتشوية أخرى تستحق التوقف. فالإنسان السياسي المتطور لدى نيتشه هو أيضاً تمثيل حي لظاهر السلوك الإنساني الحي، والتعارك بين الناس بطبيعيته لا يعتبر خبراً جاداً، بل هو خبر طبيعي اعتيادي، مثل ولادة مثيرة، أو ذكاء حاد، أو غباء - حد التخمة - أعاذكم الله!

قد تكون هذه التعاركات بالأيدي في مجلس النواب آخر ما يستطيع نوابنا الأفاضل أن يحاولوا إنجازه لنا بعد سنوات أربع عجاف، أو هو بمثابة الذكرى «الطبيعية» التي لابد أن تلتصق بأذهاننا عنهم، لنقول: لقد كان هؤلاء القوم «طبيعيون»، لم يتكلفوا في شيء. كانوا يتكلمون، وحين لا يستطيعون فهم بعضهم بعضاً، هم ببساطة يمارسون حدس الطبيعة بالـ «الضرب» و«الرفس»، و«اللكم»!

ليس مهماً للغاية ما جرى داخل المجلس، وليس لي أن أهتم بشخوص المتعاركين، أو أن أعرف بالتحديد من أخطأ منهم، ومن أصاب. المهم في هذا التعارك - بالنسبة لي على الأقل - أنه أعطاني فرصة جيدة نسبياً لأتذكر الألماني نيتشه من جهة، ومن جهة أخرى، أن تسترجع ذاكرتي أن ثمة مجلساً للنواب بين ظهرانينا، يختلف حوله، وفيه.

سنسجل جميعاً، أن أبرز ما في هذا المجلس الذي عايشناه أربعة أعوام، وقاربت أيامه على النهاية، هو شريط «الطبيعية» عبر الاعتداءات والسباب والشتائم، وذلك التكرار الجميل لكلمة «اسكت»، والذي امتعضه في كل مرة هو تصويت النواب كل مرة بالإيجاب على حذف تلك العبارات من «المضبطة»، فلكم كان سيكون جميلاً لو أدركت أجيالنا المقبلة عبر قراءة المضابط مدى هذه «الطبيعة» التي يعيشها نوابنا الأفاضل

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 1396 - الأحد 02 يوليو 2006م الموافق 05 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً