العدد 1396 - الأحد 02 يوليو 2006م الموافق 05 جمادى الآخرة 1427هـ

قراءة في مشاركة المرأة في انتخابات مجلس الأمة الكويتي

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

وطوى الأسبوع الماضي صفحة مهمة من صفحات تاريخ ديمقراطية الشقيقة الكويت بمشاركة المرأة كناخبة ومرشحة، بعد أن حصلت على حقها السياسي كاملا. يبدو أن الكويتية محظوظة أكثر من اللزوم، إذ إنه في العام نفسه الذي حصلت فيه على حقها السياسي حل فيه مجلس الأمة، لتشارك في انتخابات المجلس من أوسع أبوابه بعد طول انتظار، ولكن الفرحة لم تكتمل بالعرس السياسي إذ لم يحالفهن الحظ، فخرجت المرأة من المعركة الانتخابية «بخفي حنين»، ولكن استفادت من حقها السياسي كثيراً وحسمت النتائج النهائية، إذ ارتفعت نسبة المشاركة إلى في المئة، وهذا مؤشر مهم على فرحة وغبطة الكويتية بحصولها على حقها السياسي.

ما كنت لأفوت على نفسي فرصة الوجود في قلب الحدث، ولاسيما أن الكويتية تمارس حقها السياسي لأول مرة، فحرصت على الوجود لمراقبة العملية الانتخابية قبل يومين من الانتخابات، ولمست بوضوح مدى نشاط المرأة على رغم حرارة الجو وسخونة الانتخابات مع التدخلات الرسمية بإشاعة الوشايات والإشاعات في الوقت الضائع، فقد ظلت موجودة في الخيام طوال الوقت. كما لمست التعاون في تبادل الأدوار والمسئوليات بين النساء المساندات للمرشحين، فكان منظرهن يذكرني دائما بالنحل وعملها الدؤوب طوال اليوم بلا كلل أو ملل، ولكن ما لحظته أيضا أن وجود فرق العمل النسائية وبكثافة لدى المرشحين الرجال، وهذا لا يؤكد طبعا أن المرأة ضد المرأة وإنما في خدمة الرجل بقدر ما يكون أن المرأة الكويتية وثقت بالرجل بصورة أكبر نظراً لوجوده في حقل العمل السياسي طوال عاماً الماضية، بعكس المرأة التي ظلت تراقب المشهد السياسي من بعيد.

هذا ما لحظته بنفسي، إذ أصررت أن انتقل إلى مقر انتخابي لاحدى المترشحات لأرى بعيني مدى المؤازرة والمساندة، ولا أخفيكم سراً أنني ومن معي من النسوة دهشنا عندما وصلنا إلى خيمة إحدى المترشحات ووجدناها خاوية على عروشها، وقلنا في قرارة أنفسنا ربما وقت مجيئنا غير مناسب، ولكن عندما قصدنا خيام بعض المرشحين وجدنا فيها «طنيناً وحنيناً» شعرنا حينها بأن المرأة فعلا لن يحالفها الحظ.

المرشحات أنفسهن بعضهن واثقات من عدم الفوز، ولكن رغبة الكويتية في أن تكون شريكا فاعلا في العملية الانتخابية بعد حصولها على حقها السياسي، أبت ألا تفوت هذه اللحظات.

إذا أردنا أن نكون أكثر موضوعية فإن المرأة أيضاً ظلمت، إذ لم تتهيأ بالقدر المطلوب، والفترة التي قضتها في الاستعداد لخوض الانتخابات لا تتجاوز الخمسة أسابيع فقط، بينما نزلت المعركة الانتخابية لتواجه أسماء كبيرة ولامعة ومعروفة ذات تاريخ سياسي عريق، بينما حرمت سابقا من الإدلاء بصوتها حتى في اختيار المرشحين الذين يمثلون الوطن.

عموماً... الكويتية تتميز بالوعي السياسي، وكم تمنينا أن يكسر الحاجز النفسي عند شقيقتنا الكويت لتساهم في إعادة النظر في القراءات المشوشة بالنسبة لمشاركة المرأة في العمل السياسي في الخليج عموماً والبحرين خصوصاً نظراً إلى قرب الانتخابات ورغبة البحرينية في المشاركة فيها، ومن النتائج يبدو أن المرأة أبلت بلاء حسنا، فقد حصلت على الكثير من الأصوات حتى لو لم تساعدها في إحراز نجاح، وأعتقد أنه لو نجحت الكويتية في إحداث انقلاب أبيض لصالحها لحسمت النتائج خصوصاً أن نسبة المرأة في المجتمع الكويتي في المئة، مع أننا لسنا بحاجة إلى التعامل مع مسألة كهذه بآلية التعاطف تبعا للجنس وإلا سيكون الوطن الخاسر الأكبر، ولكن ما نرجوه أن تكون هناك تنازلات معقولة لصالح الجناح الآخر من المجتمع (المرأة)، حتى لا يكون مجتمعاً أعرج يعمل بجناح واحد.فإلى متى ستظل المرأة أداة تستغل لإيصال الرجل بينما يتنكر لها الرجل، وأحياناً يقف ضد مصلحتها كما حصل في الكويت. وقد استفاد الرجل كثيراً من غياب المرأة، إذ تمكن من إدارة دفة الحياة السياسية، في الوقت الذي وقفت المرأة إلي جانبه تدير حملاته الانتخابية قرابة نصف قرن وهو يقف ضد رغبتها في المشاركة.

هذا المشهد يؤكد وفاء المرأة مقابل نكران جميل بعض الرجال، والقضية ليس معاداة الرجل أو المرأة فالوطن بحاجة إليهما معاً، ولا نريد أن تصل المرأة بإرادة المرأة وحدها بل نحلم بيوم تصل المرأة إلى مواقع صنع القرار بإرادة من الرجل والمرأة. النتائج أشارت إلى أن المرأة كانت قريبة من الفوز على رغم صعوبة الوضع وحداثة التجربة وغياب التنسيق، وسوء عملية الدعم، فقد حصلت المرشحة رولا دشتي على صوتا، وهي من أكبر الأصوات التي حصلت عليها المرشحات، وحصلت على المركز الخامس في حين حصلت المرشحة نبيلة الغنجري على صوتا وحصلت على المركز السابع، وبلغ عدد المرشحين في الدائرة العاشرة مرشحا وتعد تلك الدائرة العديلية من الدوائر الحديد إذ حوت أكبر عدد من المرشحين والمرشحات، بينما لم تحتضن الدوائر الأخرى عدداً كبيراً من المرشحين، وقد ساهم بدرجة كبيرة في عدم محالفة المرأة بالفوز، على رغم أن بعض مرشحات هذه الدائرة أفضل بكثير من بعض المرشحين، تشتت الأصوات فيما بينهن، وحصل الفائزان فيها على صوتا و صوتا على التوالي، ويبلغ عدد الكتلة الانتخابية في هذه الدائرة صوتا في حين بلغ عدد المقترعين صوتا بنسبة في المئة، وربما يرجع الخطأ لانعدام التنسيق بين المرشحات بدليل أن عددهن مرشحات.

وأزعم بأنه لو كان هناك متسع من الوقت أمام المرشحات لاستطعن استقطاب أصوات أكبر لصالحهن، يبدو أن هذه الدائرة تحديداً صعبة بدليل أن هناك دوائر فاز فيها مرشحون بمجرد حصولهم على أصوات أقل بكثير مما حصلت عليه الأخوات في هذه الدائرة كما في الدائرة الثانية، إذ حصل الفائز الثاني على صوتا، وأيضاً رئيس مجلس الامة المنحل المرشح جاسم محمد الخرافي حصل على صوتا، وهو رقم قريب جدا من أصوات دشتي، رغم ما يتمتع به من نجومية عالية وعدم تأثره كثيرا نتيجة حل المجلس كما يبدو.

الغريب أن موقف الحكومة الكويتية جاء بنتائج عكسية، فبينما سعت إلى حل مجلس الأمة للتخلص من المعارضين ولشراء الذمم، زاد عدد المعارضين من إلى ، وهو مؤشر واضح على نضج إرادة الشعوب، على رغم امكانات الحكومات. وأعتقد أن الحراك سيتجه الآن إلى تغيير الدوائر الانتخابية إلى خمس دوائر أو ربما إلى واحدة.

حقيقة مهمة أكدتها التجربة الكويتية الأخيرة ويجب أن نلتفت إليها، وهي أن الناخبين للأسف الشديد لا يدققون في المرشح الكفؤ من عدمه، وأن هناك معايير أخرى ربما تكون أهم عندهم من معيار الكفاءة بدليل ما حصل للمرشحة دشتي، أتكلم عن ذلك بعد أن حطت الحرب أوزارها وحصلت المرشحة على أكثر الأصوات من بين المرشحات. وحتى لا يكون الكلام نظرياً دعونا نتأمل قليلا في سيرة المرشحة والحكم للقارئ في النهاية، وحتى لا يحدث لدينا كما حدث لأخواتنا في الكويت، ولنستفيد من درس المرأة الكويتية التي لم تفز ليس لأنها غير كفؤة ولا تستحق الدعم، ولكن أيضاً لأسباب أخرى غير الذي نسمع عنه دائما من عادات وتقاليد وأعراف اجتماعية وقدرة الرجل على إدارة الملفات السياسية بدرجة أكبر من المرأة وغيرها من أسباب قد تكون صحيحة أو واهية.

الأسباب التي أؤكدها هي أنانية الرجل ونرجسيته وذكورية المجتمع وقلة وعي المرأة، فقد وقعنا في مثلث صعب؛ ما عقد علينا الكثير من الحلول، والرجل أحيانا يستغل ذكورية المجتمع وقلة وعي المرأة لصالحة، وهذا بدوره يعزز أنانيته ونرجسيته، إذ يرى في نفسه ما لا يراه في المرأة على رغم أنه وباختصار شديد أعطي فرصة لو أعطيت للمرأة لربما تفوقت عليه، وهذا ما تؤكده بعض الدراسات التي أثبتت ارتفاع إنتاجية المرأة وتحملها للمسئولية والتزامها بصورة أكبر مقارنة بأخيها الرجل. ولتحقيق مقاربة الكلام النظري بالواقع المعاش اشير إلى تجربة رولا دشتي، كونها صوتاً نسائياً لم يحالفها الحظ ولو كانت رجلاً مع ما تمتلكه من رصيد أو حتى أقل بكثير مما تملكه لتوافر لها حظ أوفر في الفوز. وإليكم الحقائق التي استند إليها في تحليلي هذا ربما أكون مخطئة، فهي تنتمي إلى أسرة سياسية، والدها كان نائباً في البرلمان، حاصلة على درجة الدكتوراه في الاقتصاد السكاني من جامعة جونز هوبكنز الأميركية، ورئيسة الجمعية الاقتصادية الكويتية (أول امرأة تتبوأ هذا المنصب منذ عاماً)، اختيرت من ضمن قائمة «الأقوى شخصية عربية في العالم » في مارس/ آذار ، وحصلت على جائزة الملك حسين للتنمية الإنسانية للعام ، عضو اللجنة التنفيذية للقيادات العربية الشابة فرع الكويت، خبيرة اقتصادية في بنك الكويت الوطني، ومستشارة للبنك الدولي، لها دور قيادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وقامت حديثاً بالعمل على كسب التأييد لإصدار قانون مايو/ أيار والخاص بإعطاء الكويتية حق التصويت والترشح لعضوية المجلس، مديرة لإدارة الاقتصاد بمعهد الكويت للأبحاث العلمية، منسقة عامة ومديرة للعقود في برنامج الطوارئ وإعادة إعمار الكويت خلال فترة الغزو إلى ما بعد التحرير. أفلا تستحق دشتي المرأة أن تفوز بمقعد في مجلس الأمة؟ ألم تمتلك من الناحية النظرية والعملية رصيداً ربما يكون أكبر مما يملكه أي رجل آخر قد فاز في الانتخابات؟ والسؤال: هل إن حلم الكويتية بالوصول إلى مجلس الأمة ربما يحتاج إلى الانتظار نصف قرن؟

وهل ستكون تجربة المرأة الكويتية لها الانعكاسات ذاتها على تجربة المرأة البحرينية الذي يمثل هاجساً لا يمكن إخفاؤه أم أن المرأة البحرينية ستكون أوفر حظا؟ أرجو أن نكون قد استفدنا كثيرا من دروس من حولنا للمساهمة في تطوير ديمقراطيتنا بصورة أفضل، بمشاركة المرأة. علينا من الآن أن نضع آليات نستطيع من خلالها توفير الدعم الملائم لأقوى المرشحات اللاتي يرغبن في خوض الانتخابات، وألا نقع في الخطأ ذاته بنزول مرشحة ضد أخرى، وأن ننسق جهودنا في سبيل فوز إحدى مرشحاتنا في الوقت الراهن، فكسر الحاجز النفسي يحتاج إلى جهود جبارة تشارك فيها المرأة والرجل، فهذا الحاجز أصبح أكثر عناداً، وعلينا بالقدر

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 1396 - الأحد 02 يوليو 2006م الموافق 05 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً