أنا متأكد أن الشخص (أو الشخصة) الذي كان في يوم من الأيام المسئول الأول عن تخطيط المنطقة الدبلوماسية، أنا متأكد وأجزم بأنه كان في الأصل دكتور يدير التجارب على الفئران في أحد المختبرات... لأنه عادة (ولمعرفة وقياس ذكاء فأر التجارب) فإنه يوضع في وسط مجسم وبه متاهة، وبه الكثير من الطرق الملتوية التي تؤدي غالبيتها إلى الرجوع المتكرر، وهناك طريق واحد فقط يصل من خلاله الفأر إلى قطعة الجبن الموجودة في نهايته... وهذا هو بالضبط ما يحصل لجميع سائقي السيارات الذين يتجهون إلى المنطقة الدبلوماسية لإنهاء مصالح لهم في أحد مباني الوزارات والموجودة بكثرة (والمتراعصة) والمرصوصة رصاً متعمداً في تلك المنطقة الحيوية.
المشكلة الرئيسية في المنطقة الدبلوماسية هي في وجود المبنى الرئيسي لوزارة العدل هناك... فهذا المبنى، ومع كل ما يحتويه من محاكم متعددة الأغراض والدرجات، ومكاتب كاتب العدل وإدارة التوثيق والعقود، والتزويج والمهر والتطليق ومؤخر الصداق، وضم الأولاد وعدم ضمهم، وإثبات بنوة وإثبات أبوة، والميراث والتوريث والوارث والوارثة والموروث منه والموروثة عنه، وعبدالوارث عسر (آسف هذي اسم ممثل مصري)... مع كل هذه المكاتب وأعداد الموظفين الذين يداومون فيها إضافة إلى الآلاف المؤلفة من البشر المراجعين، ومع كل هذا الكم من عدد المحاكم وعدد الحضور ونوعيتهم وأعمارهم... مع كل ذلك فإن المبنى الكبير والوحيد للوزارة، والواقع على أربعة شوارع ضيقة جداً (وهي تعمل ريجيم أيضاً في هذه الأيام) لا يوجد له، أو حوله أية مواقف للسيارات، والذاهب إليه لابد أن يوقف سيارته على مسافة عدة كيلومترات.
مبنى وزارة العدل يحضره يومياً (وبكثافة كبيرة) أعداد من النساء وكبار السن من الجنسين، والعجزة من الجنسين أيضاً، وبعض النساء المسكينات يحضرن معهن أولادهن الصغار والأطفال والرضع... وفي الحر الشديد الذي ما أطول شهوره في البحرين... ومع عدم وجود غرف استراحات مكيفة... ومع عدم وجود مواقف للسيارات قريبة من المبنى فيضطر الجميع إلى السير مسافات طويلة في طرق المنطقة الدبلوماسية الأفعوانية... مع كل ذلك توجد جميع مباني المحاكم في الدور الأول، وجميع المراجعين عليهم تسلق سلم عريض جداً يوجد أمام المبنى، وهذا السلم الشاق والمرهق يتكون من خمسة آلاف درجة (يعني نفس عدد درجات برج إيفل في باريس) وعندما يصلون بعد نصف ساعة من التسلق يفاجأون بوجود ساحة كبيرة لا يوجد بها لا ظل ولا ماء، لماذا؟... أنا برأيي أن هذا الشخص الذي صمم مبنى وزارة العدل يحتاج أن يعطى جائزة، وهي عبارة عن ربطه لمدة أربعة شهور في عز الحر، وتركه في إحدى جزر حوار النائية، وذلك حتى يحس بما يحس به المراجعون الفقراء لمبنى المحاكم، وزيارة واحدة لأحد المسئولين مطلوبة.
الآن أصبح هذا المبنى يشكل نقطة سوداء في جغرافية وتاريخ البحرين، وبات لزاماً على المسئولين الذين يفكرون في راحة المواطنين أن ينظروا إلى هذا الموضوع بجدية شديدة، وبالتأكيد هم لا يمانعون من إيجاد الحلول والتي من الممكن أن تيسر على المراجعين في الوصول السهل للوزارة والخروج الأسهل منها، وفي الوصول السهل لجميع مكاتب ومحاكم الوزارة... وأصلاً وضع الحلول المناسبة لإخراج مبنى وزارة العدل من منطقة المتاهة الفأرية سيكون فاتحة خير لجميع المباني الموجودة في المنطقة الدبلوماسية، وسترتاح الوزارات والبنوك والشركات التي لها فروع هناك، وسيكون الحصول على موقف سيارات ميسراً للجميع.
وزارة العدل سوف لن تكون خاسرة (مادياً) في عملية نقل مبناها الرئيسي إلى منطقة مفتوحة ولها مداخل ومخارج كبيرة، وبها موقف للسيارات يسع لجميع الموظفين والمراجعين، لأنها من الممكن أن تستثمر المبنى الحالي بطرق عدة ومربحة... الطريقة الأولى هي هدم المبنى من الأساس ومن ثم بناء موقف سيارات متعدد الطوابق (والله يدخل عليهم ذهب)... الطريقة الثانية هي بيع المبنى لأية شركة، وأنا متأكد أن سعر البيع (في هذه المنطقة المرغوبة للاستثمار) سيدر على الوزارة مبلغاً يكفي لشراء أرض كبيرة وبنائها على أحدث المواصفات العالمية، مو مثل هالمبنى الكحيان..
إقرأ أيضا لـ "سلمان بن صقر آل خليفة"العدد 1395 - السبت 01 يوليو 2006م الموافق 04 جمادى الآخرة 1427هـ