العدد 1394 - الجمعة 30 يونيو 2006م الموافق 03 جمادى الآخرة 1427هـ

مفارقة بحرينية جديرة بالتأمل

عثمان الماجد comments [at] alwasatnews.com

-

لعله من قبيل الإبلاغ المتأخر الذي يتصف بالتكرار الممل، الإشارة إلى ما تبوأته المرأة البحرينية من مراكز متقدمة في سلم الوظائف العامة، لماذا؟ ببساطة، لأن من كتب ذلك وأسهب كثيرون، فضلا عن أنني لا أجد له أهمية في دعم المرأة انتخابيا، على رغم انه مهم على مستوى انعطافته النفسية فيما يتعلق بأولئك الذين طالهم مس من يأس يبدو انه صار يتخذ صفة الانتشار الوبائي على مجمل حركتها، جراء هذه الهجمة المشبعة أجواؤها بصنوف الفتاوى، التي تحيل المرأة إلى كائن لا حول له ولا قوة إلا بمعية ذكر، في إحالة إلى توظيفات بيولوجية لا محل لها في الحياة السياسية والفكرية، والتي تهد من عزائم المرأة وتكسر إرادتها في المشاركة اللازمة في صناعة مستقبل الوطن عبر ترشحها للمجلسين، البلدي والنيابي، المجالين اللذين لا يسكنهما إلا الذكور، وهذه، في ظني، مفارقة اجتماعية بحرينية جديرة بالتأمل، إذ إن المكان الذي يعبر عن قرار شعبي تكون المرأة أحد راسميه، فهي تغيب عنه، بينما تجد لها حضوراً فاعلاً في جميع مواقع الدولة الرسمية.

ونشير إلى أن آخر الفتاوى التي ظهرت في شكل صرعة آخر موديل في مزاد الإسلام السياسي، وتصب في خانة الإقصاء الكلي للمرأة عن الحياة العامة، هي تلك التي أفتى بها عضو مجلس الأمة الكويتي السابق، وليد الطبطبائي، وقد يكون اللاحق، والتي تقضي ببطلان الزيجة إن تجرأت المرأة وعارضت خيارات زوجها.

وإذا غابت هذه الفتوى عن التداول الشعبي في البحرين، أو بدت ضعيفة، حتى الآن، فهذا غياب مؤقت، وأجزم لكم بأننا موعودون بتداعياتها الكارثية على المرأة البحرينية في الحملات الانتخابية المقبلة لدى تيارات الإسلام السياسي.

أقول إن الإشارة إلى ما وصلت إليه المرأة وما تبوأته من مراكز متقدمة لا يضيف دعما مجتمعيا، وإنما تثبيتا لحقيقة إصرار المرأة عبر مسيرتها النضالية، وتطلعاتها المشروعة، مضافا إليها التقدير الذي تستحقه من القيادة السياسية المتمثلة في هذا الزخم الذي تتحصل عليه المرأة عبر المراسيم والقرارات السامية التي يخصها بها جلالة الملك وسمو قرينته. ذلك أن ما تحتاجه المرأة في هذه المرحلة هو وقفة صادقة من قبل كل القوى الوطنية المستنيرة، لتعضيد جهود القيادة السياسية في حمل المرأة إلى مراكز صنع القرار بواسطة صناديق الاقتراع.

ومن مقتضيات التعضيد المرجو هو دراسة ما آلت إليه المواقف المجتمعية المتعددة من المرأة وكشف المثبطات والعوائق التي تحول دون تحقيقها نتائج أفضل تتناسب ودورها في عملية البناء والتنمية، التي ساهمت فيها منذ بدء نهضة المجتمع، أخذا في الحسبان تنوع ظروفها ومدى تفاعلاتها مع التغيرات العميقة الحاصلة في المجتمع، والتي تؤثر بالسلب أو بالإيجاب على قرارها ومنها المستوى الاقتصادي الذي في محيطه تنشأ، ومستوى التعليم ومستوى الوعي بأهمية مشاركتها في الحياة السياسية وصنع القرار. فإذا ما قيست أوضاع المرأة، وفق الدستور، مع أوضاع كثير من نساء العالم العربي وكثير من دول العالم الإسلامي، بحيث يكون مجال المقارنة ضمن حدود وشروط القيم والتقاليد، فهي في مقدمة النساء اللاتي يتمتعن بحقوق متساوية مع الرجل. ومرجع ذلك، في تقديري، أمران: الأمر الأول هو الفكر الليبرالي الحاكم لسيرورة عمل النظام السياسي في المملكة، منذ نشأة الدولة الحديثة والذي آثر الاصطفاف مع بلدان التقدم في العالم عبر تمثل تجاربها الديمقراطية، التي من مقوماتها، أكرر من مقوماتها، تحقيق العدالة الاجتماعية، ونبذ التمايز الجنسي على أساس من فهم يرتكز على أن المرأة في عموم عطائها، على مستوى الوطن، قد دخلت مرحلة من النضج السياسي كفيلة بتحريرها من اسار التقوقع في خلية صنع القرار الذكورية.

والأمر الثاني هو الصمود في وجه التيارات المناوئة للمرأة، وجولات الجدل التشريعي التي خاضها ممثلو الشعب من التيارات الليبرالية والتقدمية في المجلس التأسيسي، التي نجحت في تثبيت حق المرأة ومساواتها بالرجل في دستور . وأعتقد أن ما يجب أن يكون في صلب عمل المرأة من جهة، والفعاليات السياسية والمؤسسات الأهلية الداعمة للمرأة، من جهة ثانية، هو تضافر جهودها لتثمير هذه الانجازات والمكتسبات، إذ إنها لن تعود بأي نفع على المرأة خصوصاً، ولا على المجتمع عموماً، طالما بقيت هذه المكتسبات على الورق ولم يتم نقلها وترجمتها في الواقع المعاش لإحداث نقلة نوعية في العمل السياسي للمرأة، وسيكون من قبيل الضخ الإعلامي غير المنتج تكرار انجازات المرأة على الشريحة التي تعي ذلك جيدا. فالمطلوب هو الانتقال إلى توجيه الاهتمام لما سيعمل عليه، أي التركيز على البرنامج السياسي الذي من خلاله ستتواصل الانجازات، والقادر على استقطاب أكوام الأصوات النسائية المبعثرة في المدن وأطراف المدن، والتي إن تهاونت المرأة ومن يساندها أو تراخوا في التعامل معها فإنها تكرس بذلك حتمية بقائها في عهدة من يحجب حريتها.

ويتعين على المرأة عبر مؤسساتها وأوعيتها الحاضنة لها، مراعاة الواقعية في رسم استراتيجية التحرك والعمل بين الناس لإقناع الناخبين، رجالا ونساء على حد سواء، لكسب الأصوات، لذلك فإن من المنطقي أن يكون التوجه إلى هذه المجاميع من النساء عبر تقسيمها إلى فئات اجتماعية يكون المتخاطب معها على درجة عالية من الكفاءة والخبرة، التي لا تعدمها، لاختيار مستويات الخطاب المناسبة، بحسب تعدد المستويات الثقافية والوعي ، الذي هو، في تقديري، مثقل بمفردات الخطاب الديني المتطرف الذي يبتعد بالمرأة من ساحة العمل في الشأن العام ويرسم خط سيرها الذي يبدأ في المطبخ وينتهي عند السرير! ولهذا فان تسخير جميع الوسائل الإعلامية، التلفزيون خصوصاً، والتخطيط لإعداد ندوات ولقاءات مكثفة في القرى كما في المدن، لحشد الأصوات الداعمة للمرأة وعدم الركون إلى تسخير جل الوقت، إذ لا وقت كافياً لإضاعته في مخاطبة الذات، بمعنى توجيه الخطاب للمرأة المثقفة والمبالغة في وصف إنجازاتها ومشاركاتها في الشأن العام حتى ليبدو وكأن لا علم لها بذلك. فهل تستطيع المرأة البحرينية كسر السائد وتحجيم الرأي المنفلت في تعقب حبسها لتعيد رسم الصورة في شكلها الاجتماعي المعتاد؟

العدد 1394 - الجمعة 30 يونيو 2006م الموافق 03 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً