ثمة اخبار تتردد في أروقة مطبخ صناعة القرار الإيراني بأن طهران تدرس اقتراحاً سعودياً يقضي بتشكيل «لجنة قيادية» ثنائية عليا مهمتها احداث قناة «خط ساخن» بين القيادة العليا في كل من الرياض وطهران يتجاوز الحدث اليومي والوزارات التنفيذية المستغرقة في متابعة الحوادث والوقائع الروتينية.
وطبقاً لما افادت مصادر وثيقة الصلة بهذا الاتجاه فإن طهران تدرس تعيين رجل موثوق به ومقرب من القيادة الدينية والسياسية العليا يكون صلة الوصل المستمرة مع قطب نظير له في الجانب السعودي مهمتهما «التوجيه» والإدارة الاستراتيجية لمهمة التعاون الثنائية هذه في أكثر من ساحة ساخنة معنية بها كل من الرياض وطهران، وفي هذا السياق يتردد اسمي مستشار مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية للشئون الدولية علي أكبر ولايتي من بين اقوى الخيارات والأمير سعود الفيصل «الرقم الثابت» في المعادلة السعودية والذي يمثل دوراً ابعد واشمل من دور وزير الخارجية.
هذا كما يعتقد بأن قضايا الفتن الطائفية المتنقلة بين العراق ولبنان وسائر بلدان المنطقة بالإضافة إلى الموضوع الفلسطيني ستكون من بين اهم الموضوعات الاستراتيجية التي ستتابعها اللجنة المشار اليها وترفع تقارير مستمرة بشأنها للقيادة العليا في البلدين.
في هذه الاثناء قرر مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية تأسيس «مجلس التخطيط الاستراتيجي للسياسة الخارجية» وأسند رئاسته لوزير الخارجية السابق كمال خرازي، والذي يضم في عضويته بالتعيين كلاً من وزير الخارجية السابق علي أكبر ولايتي ووزير الدفاع السابق الادميرال علي شمخاني بالإضافة إلى رجل «البيت القيادي» حسين طارمي فيما اعتبره المراقبون هنا تعزيزاً واضحاً للدور المفصلي الذي بدأ يلعبه مرشد الثورة في قيادة المركب الإيراني العام بالمقارنة مع عهدي رفسنجاني وخاتمي السابقين على «عهد» أحمدي نجاد!
وإذا ما وضعنا هذه الاخبار إلى جانب اللقاء - الخبر المهم الذي حصل أخيراً في «بيت القائد» كما هو الاسم المتداول لمقر مرشد الثورة الإيرانية آية الله السيد علي خامنائي، والذي حرص الأخير أن يضم بين جنباته جميع الأطياف «المتصارعة» على دفة السلطة والحكومة طوال الفترة الماضية من عمر الثورة والنظام لتظهر وكأنها في «خيمة» واحدة هي خيمة الولاء للقيادة العليا فإن المترتب على ذلك تحليلاً واستنتاجاً هو ان ثمة «إعادة ترتيب» جدية تجري للبيت الايراني الداخلي ترعاها وتديرها القيادة الايرانية العليا وتراها ضرورية لمواجهة متطلبات المرحلة المقبلة والتي قد تحمل مفاجآت ليست في الحسبان أو ليست من نوع الحسابات التقليدية.
المتتبعون والعارفون ببعض «بواطن» الأمور يذهبون إلى احتمال الاقتراب من اتخاذ قرارات استراتيجية مهمة في سياق معالجة الملف النووي والمفاوضات وتالياً التطبيع أو «المواجهة» مع الولايات المتحدة الأميركية بشكل مختلف!
لن يكون هناك تناقض بالتأكيد بين فعل وأداء المجلس الجديد والمجالس الأخرى مثل مجلس الأمن القومي الأعلى أو مجلس تشخيص مصلحة النظام، كما تؤكد المعلومات المتوافرة وكما يؤكد المسئولون هنا في تصريحاتهم العلنية، لكن القدر المتيقن من التحليل المتاح يفيد بأن مجلس التخطيط الاستراتيجي هذا سيكون بمثابة «بيضة القبان» التي ترجح وجهة نظر القيادة العليا كلما تطلب الأمر تدخلاً عاجلاً لمصلحة النظام العليا، بالاضافة إلى إمكان لعب دور «المحلل» لأي نوع من أنواع القرارات الصعبة التي قد تلجأ إليها القيادة العليا مختارة أو مضطرة من دون الحاجة إلى دفع ثمن «الاحراج» الديني أو الشعبي أو السياسي المترتب عادة على قرارات «العسر والحرج» الاستراتيجي، أياً تكن الحال فإن مساعي إعادة ترتيب البيت الايراني من الداخل تأتي في ظل تزايد الإدراك الايراني لأهمية العمل الخارجي سواء مع اللاعبين الكبار في المعادلة الدولية أو مع أعضاء المحيط الاقليمي بلداً بلداً وليست المملكة العربية السعودية الا ذلك البلد الذي خبرته ايران جيداً سواء في عصر النوائب الكارثية أو في محطات التضامن والتهدئة الضرورية.
ولما كانت طهران قد قررت الانتقال فعلاً من دور الفاعل «بالوساطة» إلى دور الفاعل الاقليمي بالاصالة، ومادام العالم يقترب من الاعتراف لها بمثل هذا الدور الذي لطالما سعت اليه وتمنته لنفسها فإن قرار تشكيل لجنة ايرانية - سعودية للتفاهم الاستراتيجي وقرار تشكيل مجلس تخطيط استراتيجي من جانب القيادة العليا وبإشرافها المباشر يعطيان الانطباع بأن ثمة تحول ما في طريقه إلى التبلور في قصة الكر والفر الايراني - الاجنبي ولاسيما في المنطقة، والله أعلم
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 1394 - الجمعة 30 يونيو 2006م الموافق 03 جمادى الآخرة 1427هـ