الوطن هو البقعة التي تتيح للمرء مقدار الحرية التي يتمنى، ولم يعد الوطن هو المكان الذي يولد به الإنسان ويتربى من دون اختيار منه. وعلاقة المرء بوطنه هي تلك العلاقة التي تنتج من ممارسته للحرية ورضاه بما توافر له منها. علاقة تنفي صلته بالدكتاتورية وتجعله واحداً من المؤثرين في الحركة الديمقراطية.
ما يؤكد على الإجابة عن سؤال «ما الوطن» في هذا السياق هو الهجرات الجماعية التي يمارسها المواطنون في أي دولة لدول أخرى يرتفع بها «منسوب الحرية»، وخصوصاً مع الثورات والحركات الاحتجاجية التي تنشب للحصول على الحريات داخل الأوطان؛ لتحقق وجود الأوطان الحقيقية المنشودة.
والصحافيون هم فئة من المواطنين الباحثين عن هذا الوطن/ الحرية، فمع كل ثورة أو حركة احتجاجية يهاجر كثير من الصحافيين؛ بحثاً عن فضاء يتيح لهم التعبير عن آرائهم دون أن تُكَمَّم أقلامهم أو يُزَجُون في المعتقلات كما حصل في كثير من البلدان منذ قديم الزمان، وهو ذاته ما يحصل الآن ضمن حركات الربيع العربي حتى في تلك الدول التي نجحت بها الثورات وأسقطت الحكام الدكتاتوريين، كمصر مثلاً، إذ لا يزال كثير من الصحافيين يعانون التعذيب في السجون لأنهم نصروا شعوبهم وعبّروا عن آمالهم ورغباتهم وكانوا ضمن فرق أدت أو ستؤدي إلى التغيير الحقيقي في بلدانهم.
يهاجر الصحافيون إلى دول أوسع هامشاً لحرية التعبير، كلبنان مثلاً التي طالما كانت ملاذاً للصحافة اللاذعة التي تنتقد السلطات والمسئولين مهما علا شأنهم، ولم نسمع باعتقال صحافي فيها أو تعذيبه، إضافة إلى الدول الأوروبية التي طالما احتضنت كفاءاتنا العربية في كافة المجالات.
والهجرات بحثاً عن الحرية/ الوطن، ليست من عمل الصحافيين فحسب؛ بل هي هجرات لكافة فئات المجتمع وفي كل الأوقات، الأوقات السلمية الهادئة أو الأوقات التي تتميز بالثورات والحركات الاحتجاجية، ولا أعني الهجرات التي يمارسها الفرد بحثاً عن لقمة العيش، بل تلك التي يهاجر فيها الغني قبل الفقير بحثاً عن مكان آمن للتعبير، وعن وطن صالح للعيش الخالي من كل ما من شأنه أن يحطَّ من قدره، ويسحق حريته، ويودي به إلى المعتقل على غفلة منه؛ فقط لأنه يطالب بحقه.
في العام الماضي هاجر الكثير من الصحافيين من البحرين، بعضهم ترك موطنه هرباً من الأذى والملاحقة، وبعضهم خرج بحثاً عن فضاء آمن للتعبير عن الرأي بحرية وأمان.
مواطنون آخرون عاديون كثيرون هاجروا أيضاً طلباً للسلامة والأمان، وبعضهم تعرضوا لاعتقالات سابقة، أو خوفاً من الملاحقة لمشاركتهم في مسيرات سلمية، وبعضهم خرج من دون أن يحمل معه مبلغاً كافياً من المال لأن صورته ظهرت وحولها دائرة ضمن الصور التي نشرتها فئةٌ ما تحت عنوان: خونة الوطن، مطلوبون للعدالة.
مهاجرون ما زالوا يبحثون عن الوطن المغيب، الذي يوفر لهم حرية التعبير عن الرأي من دون أن يلوّح لهم بشبح الملاحقة والطلب
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 3451 - الجمعة 17 فبراير 2012م الموافق 25 ربيع الاول 1433هـ
الغربة سبيلنا للحياة
ابكاني هذا المقال انا الذي تغربت ثلاث مرات بحثا عن الحرية وهربا من الة القمع سيدتي
سلمت الانامل التي خطت هذا المقال
شكراً ابنتي على احساسك المرهف الذي عبر عنا بصدق
يجب تكون الحريه بحدود الواقع
الحريه مثل الطيور
بعضها جارحه وتقتل وفيها حب التملك
وبعضها اليفه وتبحث عن عيشها وحقها
ونفس الشي البشر بعضهم يقولون كلمة الحق وبعضهم يبحثون فقط لمصالحهم
مقال رائع
كلنا نطالب الحريه بشكل ايجابي للبلد
ولكن بعض الحريات تخرج عن المالوف
وبعض الحريات تظلم
ومقالك جدا رائع