العدد -3130 - السبت 02 أبريل 2011م الموافق 27 ربيع الثاني 1432هـ

صعوبات في مسار التحول الديمقراطي في تونس

أسماء نويرة


أنّ "الثورة التونسية" ثورة تلقائية لم تكن ورائها قيادة ما و لم تفرز أي قيادة فيما بعد هو في آن واحد نعمة ونقمة على مسار التحوّل الديمقراطي. من ناحية، نجحت الثورة بفضل تضامن العديد من الفئات الاجتماعية و المهنية. ومن الناحية الأخرى، يطرح عدم وجود قيادة عدة اشكاليات وصعوبات على مستوى الإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي. وتتمثل اولى هذه الصعوبات في مسالة المشروعية: من ناحية اسس الإصلاح السياسي و من ناحية شرعية التمثيل.


من ناحية الأسس التي ستبنى عليها عملية الإصلاح السياسي، بقي التونسيون – شعبا ونخبا وحكومة – يتارجحون بين الشرعية الدستورية و الشرعية الثورية. فقد أدت "الثورة التونسية"– بشكل مفاجئ – إلى تنحي الرئيس السابق زين العابدين بن علي عن مهامه وتفويض مهامه بشكل مؤقت إلى الوزير الأول وفق الفصل 56 من الدستور. وسرعانما تم الإعلان – في غضون ساعات – عن الشغور النهائي لهذا المنصب واللجوء تبعا لذلك للفصل 57 من الدستور الذي يتولى بمقتضاه رئيس مجلس النواب الرئاسة بشكل مؤقت لفترة تتراوح بين خمسة واربعين وستين يوما ينظم خلالها انتخابات رئاسية.


لهذا سعت الحكومة إلى القيام بعملية إصلاح سياسي مؤسس على الشرعية الدستورية وأحدثت لهذا الغرض لجنة عليا للاصلاح السياسي هدفها الرئيسي تنقية المنظومة القانونية المتعلقة بالعملية الانتخابية لضمان انتخابات رئاسية حرة ونزيهة وشفافة وتعددية بما يتطبله ذلك من إعادة مراجعة القانون الانتخابي وقانون الصحافة وقانون الاحزاب والقوانين المنظمة للحريات العامة. وهذه اللجنة هي هيئة عليا مستقلة تتركب من خبراء في القانون العام والعلوم السياسية وتضم من بين اعضائها، إضافة إلى الاساتذة الجامعيين من مختلف كليات الحقوق التونسية، قضاة من القضاء العدلي والقضاء الإداري. و انتهجت اللجنة في عملها منهج المشاورة مع مختلف التيارات والاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني.


وضبطت اللجنة، على ضوء هذه المشاروات، عدد من الاحتمالات لمرحلة ما بعد الثورة من بينها انتخابات رئاسية يتولى اثرها الرئيس المنتخب حل المجالس النيابية وتنظيم انتخابات تشريعية جديدة أوتنظيم انتخابات رئاسية وتأسيسية في نفس الوقت. كما تتضمن الاحتمالات اعداد لجنة الخبراء لدستور جديد وعرضه على الاستفتاء بالإضافة الى تنظيم انتخابات المجلس التأسيسي الذي سيتولى وضع دستور جديد للبلاد ويتولى في نفس الوقت السلطة التشريعية وينتخب من بين اعضائه رئيسا مؤقتا إلى حين انتهائه من مهامه التأسيسي بوضع الدستور. وفي أوائل مارس/آذار أعلن رئيس الوزراء المؤقت فؤاد المبزع نية إتّباع الإحتمال الأخير، ما دفع الى تفعيل عملية تتضمن إجراء إنتخابات لمجلس وطني يوم 24 يوليو/تموز والتصويت ينبثق عنه رئيس مؤقت يتولى إدارة البلاد الى حين الإنتهاء من إعداد الدستور الجديد.


ودفعت المطلبية الشعبية الحكومة إلى التخلي عن فكرة الاعداد لانتخابات رئاسية أوّلا وبدلاً عن ذلك الإعلان عن انتخابات لمجلس وطني تأسيسي يضع دستورا جديدا للبلاد يعيد صياغة نظام الحكم بشكل يؤمن التوازن بين السلط المفقود في دستور 1959 الذي كرّس النظام الرئاسوي. كما أن هذا المجلس سينتخب من بين اعضائه رئيسا مؤقتا للبلاد يتولى السلطة إلى حين انتهائه من وضع الدستور الجديد والاعداد لانتخابات جديدة رئاسية أو تشريعية بحسب النظام المقترح.


أما فيما يتعلق بشرعية التمثيل، فقد أدى عدم وجود قيادة للثورة التونسية من جهة والانخراط المتأخر للاحزاب السياسية في الثورة من جهة أخرى، إلى عدم وجود ممثل وحيد يفاوض باسمها و يرسم ملامح الإصلاح السياسي. فتعددت الاطراف التي تتكلم باسم الشعب وتتدعي تمثيله كما إختلفت رؤياها بشكل كبير. ولا ادل على ذلك خروج أكثر من مظاهرة متابينة من حيث المطلبية وبشكل متزامن في الشارع الرئيسي بالعاصمة (شارع الحبيب بورقيبة) والكل يرفع شعار "الشعب يريد". ففريق يرفع شعار "الشعب يريد دولة اللائكية" وفريق آخر في الجهة المقابلة من الشارع يرفع شعار "الشعب يريد دولة اسلامية".


ورغم دعوة احزاب المعارضة والاطراف السياسية والاتحاد العام التونسي للشغل للمشاركة في الحكومة إلا أن العديد من هذه الاطراف فضّل البقاء خارجها والضغط عليها بشكل اثر على ادائها مما تسبب في سقوطها. واتفق هؤلاء على تشكيل "مجلسا لحماية الثورة" رغم التباين الاديولوجي بينهم. ومن أهم الاطراف الممضية على بيان تأسيس هذا المجلس نذكر الاتحاد العام التونسي للشغل وحركة النهضة الإسلامية والهيئة الوطنية للمحامين وحزب العمال الشيوعي التونسي وجمعية القضاة والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. وطالب هذا المجلس رئيس الجمهورية المؤقت باسناده سلط تشريعية وتقريرية مع إمكانية مراقبة عمل الحكومة. وهو ما قوبل بالرفض مع الدعوة إلى الالتحاق باللجنة العليا للاصلاح السياسي في هيئة موسعة. فكان مشروع إحداث هذه اللجنة محل مفاوضات بين الحكومة من جهة وأهم الاطراف المكونة لمجلس حماية الثورة وخاصة الاتحاد العام التونسي للشغل من جهة أخرى.


نتيجة لهذه المفاوضات، أحدثت "الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي". وهي هيئة استشارية تتركب من هيكلين، حيث اضيف إلى لجنة الخبراء مجلس يضم ممثلين عن مختلف التيارات والاحزاب السياسية ومكونات المجتمع المدني وشخصيات وطنية. وأصبحت اللجنة التي كانت مكلفة فحسب باعداد الانتخابات، الرئاسية في مرحلة اولى ثم تأسيسية في مرحلة ثانية، مسؤولة مباشرة عن عملية الاصلاح السياسي لتحقيق الانتقال الديمقراطي. واعلن في قائمة اولى على انضمام واحد وسبعين عضوا لهذه الهيئة يمثلون احزابا سياسية ومنظمات المجتمع المدني المهتمة بالشأن العام إضافة إلى شخصيات وطنية مستقلة. واجتمع هؤلاء لأول مرة يوم 17 مارس/آذار للتباحث في مشروعي قانون انتخاب مجلس وطني تأسيسي اعدتها لجنة الخبراء.


وبلور اجتماع 17 مارس/آذار عمق التناقضات الموجودة في الاوساط السياسية التونسية وبرهن على مدى التصحر السياسي الناتج عن سياسة القمع المتوخاة في العهود السابقة وخاصة في عهد زين العابدين بن علي، حيث دارت النقاشات الحادة بين مختلف الاطراف حول مدى تمثيلية كل طرف للمجتمع التونسي واتهام الحكومة بتعمد تهميش بعض الاحزاب والاطراف (الشباب والجهات والنساء) واقصائهم. وطغى على هذه النقاشات التخوين والمزايدة وركوب الثورة والمغالطة والغوغائية والتهديد باللجوء إلى التظاهر في حالة عدم الاستجابة إلى مطالبهم المتمثلة خصوصا في ايقاف عمل اللجنة إلى حين الاتفاق حول تركيبتها.


وبعد تفاوض بين مختلف الاطراف، تم الاتفاق على بداية النظر في مشاريع القوانين الانتخابية والسعي في نفس الوقت إلى توسيع اللجنة. وهو ما تم فعلا حيث بدأ التداول حول مشروع قانون الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في جلسة يوم السبت 26 مارس/آذار وانضم إليها ستون عضوا جديدا في الجلسة المنعقدة يوم 29 مارس/آذار. ومهما توسعت هذه الهيئة فإنها لن تمثل الشعب التونسي لان التمثيلية الحقيقية لا تكون إلا عن طريق صندوق الاقتراع.


ويقف وراء التشنج الذي ساد الجلستين الاولتين للهيئة رهان هام بالنسبة للاحزاب السياسية القديم منها والجديد يتمثل في محاولة تأجيل موعد الانتخابات المعلن عنه من قبل رئيس الدولة المؤقت في خطابه يوم 3 مارس/آذار، حيث دعا إلى تنظيم انتخابات المجلس الوطني التأسيسي يوم 24 يوليو/تموز. وإن استجاب هذا الموعد لتطلعات الشعب التونسي الذي يرغب في حدوث تغيير حقيقي في اقرب الاجال، فإن الوقت لن يكون كافيا امام الاحزاب لتستعد لهذا الموعد المهم. فتعتبر الانتخابات القادمة على درجة من الأهمية لأنها ستفرز المجلس الذي سيقوم باعادة تأسيس الدولة و وضع دستور جديد للبلاد. وقد تكون هذه الانتخابات فرصة لإعادة ترتيب الخارطة السياسية التونسية بشكل يفرز أقطاب متعددة قادرة على دفع مسار الانتقال الديمقراطي.


وستكون الاشهر القليلة الفاصلة عن موعد الانتخابات مليئة بالمخاطر التي تحدق بعملية الانتقال الديمقراطي. من هذه المخاطر، اعتماد التظاهر والاعتصامات كوسيلة اساسية للعمل السياسي والضغط على الحكومة والتفاوض مع مختلف الفاعلين السياسيين. ومن النتائج المباشرة لاعتماد هذا الأسلوب اتسام عمل الحكومة بالتردد ما قد يؤدي إلى سقوطها كما سقطت حكومتين قبلها خلال ظرف زمني وجيز. كما كان من نتائجه ضعف مؤسسات الدولة عن إدارة البلاد مما أدى إلى استيلاء ما يسمى "باللجان الجهوية لحماية الثورة" على السلطة الجهوية وإدارة الجهات. ومما يهدد أيضا عملية الانتقال الديمقراطي تنامي عدد الاحزاب السياسية في ظل مستوى ضعيف من الثقافة السياسية وعدم ترسيخ قيم المواطنة.

 


 

العدد -3130 - السبت 02 أبريل 2011م الموافق 27 ربيع الثاني 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً