يعرف الانتماء على أنه الانتساب الحقيقي للدين الإسلامي والوطن فكراً ومشاعر ووجداناً، واعتزاز الفرد بالانتماء إلى دينه من خلال الالتزام بتعاليمه والثبات على منهجه وتفاعله مع احتياجات وطنه. وتظهر هذه التفاعلات من خلال بروز محبة الفرد لوطنه والاعتزاز بالانضمام إليه والتضحية من أجله.

وينبع انتماء الإنسان إلى وطنه من ارتباطه الوثيق بالمكان والزمان، فالأول يدل على وجوده في جزء معين، والثاني يحدد مدى هذا الوجود وحجمه.

وللأسف أن لدينا في بلدنا الصغير إفرازات لمفاهيم جديدة للانتماء والولاء للوطن، جعلت من الانتماء للقبيلة أو الطائفة أو العشيرة أو الملة معياراً أساسياً ومقياساً عاماً للمفاضلة بين الناس، بمعزل عن أية منهجية واضحة يستند عليها هذا التقييم النابع في الغالب من الأهواء والرغبات الشخصية.

حتى معادلة الخيانة والعمالة هي الأخرى هلامية، ضبابية، غير واضحة، يمكن لصقها بتخبط وعشوائية، فأي شخص يقدم رؤية معينة أو يجاهر باحتياجاته ومطالبه، قد يواجه بصد من طرف آخر لا يعجبه طرحه أو أسلوب معالجته للأمور وتعامله مع الظروف، على رغم أن كلاهما يشتركان في الهدف ذاته، ولكنهما يتقاطعان في طريقة الوصول إليه وتحقيقه فعلاً ملموساً لا حلماً يتلاشى كالسراب.

الانتماء إحساس مهم بالنسبة لأي إنسان، فمن خلاله يشعر بارتباطه بأفراد المجتمع الذي يعيش فيه، ويدفعه ذلك إلى التضحية والتفاني والإخلاص من أجل رفعة وطنه وحمايته والدفاع عنه والذود عن ترابه.

وهذا الشعور يتعرض حالياً إلى هزات وشروخ غزيرة، تعمل على تكريسه بعض الأقلام ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، والتي تستخدم عبارات حادة وقاسية ليس فيها شيء من الروح الوطنية، وفي كثير من الأحيان تصل إلى التعدي على الشرف والكرامة بصورة فجة، تدفع الطرف المتضرر إلى التمسك أكثر بموقفه والثبات عليه، حتى وإن كان فيه تباين مع موقف المكونات الأخرى.

الخلاف قد يدب في أي منزل، وربما يصل إلى حد المواجهة بين الأب وابنه، ولكن ذلك لا يعني أن ينكر وجوده أو يتبرأ منه ويمسح اسمه الذي يمنحه الهوية فيرفع عنه الانتماء إلى عائلته وأهله، أو يطرده من المكان الذي نشأ وترعرع فيه، فما هكذا تعالج المشكلة، وخصوصاً أن في خارج محيط المنزل الكثير من الأهوال والمصائب التي بلاشك ستؤخر الحل، وستزيد الأمر تعقيداً.

ولا توجد حالة تكاملية خالية من العيوب، وفي كل بلدان العالم هناك قصور وتجاوزات وفساد وتعديات على المال العام، ولكن بدرجات متفاوتة، تتصاعد في الدول النامية وتنخفض في الدول المتقدمة والديمقراطيات العريقة.

ومن هنا يرتفع سقف الطموح الإنساني الساعي وراء المدينة الفاضلة، وهذا ليس عيباً، بل مؤشر يعبر عن تقدم الأمم، وتطور الفكر، وكسر للقيود، وخروج من فضاء اليأس والإحباط إلى رحابة الأمل والإقدام على التغيير.

ومن مساوئ الأزمة التي مرت بها البحرين في فبراير/ شباط ومارس/ آذار من العام الماضي، أننا خسرنا الكثير من الكفاءات الوطنية التي تحمل مؤهلات وشهادات عليا، خدمت البحرين من خلال مواقعها على مدى عقود، وليس في ذلك منة أو تفضل، فهذا واجب يتشرف به أي مواطن، ولكن المستغرب أن جريرة هذه الكفاءات لا تتعلق بموقف سياسي أو توجه عقائدي أو قصور في أداء التكليفات والمهمات، وإنما أخذت من باب الهوية، وهناك من بارك ذلك وأيده وطالب بالمزيد لإخلاء المناصب وإحلال آخرين.

هذا التصرف في حد ذاته، يمثل ضربة قاصمة للشعور بالانتماء لدى كل هؤلاء الذين لم يكونوا يوماً معول هدم أو أداة دمار، بل قدموا خلاصة فكرهم ورحيق مكنوناتهم في سبيل التطوير والتحسين وتسريع دوران عجلة التنمية.

الشعور بالولاء للوطن والانتماء، يأتي كمحصلة نتيجة تراكمات ومعايشة وتجارب واحتكاك مباشر في معترك الحياة، فمشاركة الإنسان في بناء وطنه تجعله يشعر بجمال الحياة وقيمته في مجتمعه، ما ينمي مفهوم الحقوق والواجبات، فلا حق بلا واجب، وتقديم الواجبات من الضرروة أن يتحقق قبل الحصول على الحق.

الخيانة مصطلح يُصدّر على نطاق واسع، ويُعمم على جماعة من الناس جهراً بلا استحياء، وذلك لا يخدم المساعي التي يحاول جميع العقلاء بذلها لتعزيز الوحدة الوطنية ودرء الفتنة الطائفية، وإعلاء قيمة التسامح كجزء مهم من قيم الانتماء الوطني، فطالما يشعر مكون من هذا الشعب بأنه في قفص الاتهام وعليه أن يثبت براءته، سنبقى كما العاجز الذي يتحرك بقدم واحدة