هل يعيد التاريخ نفسه؟ وهل تذهب الشعارات هباء منثورا؟ أهي الصحوة المنشودة حقا؟ أم يا تراها زيف ما بعده زيف؟ أهو الربيع العربي؟ أم على رأي البعض التدمير الذاتي؟ أسئلة تراود الكثير من المعتدلين ومثلهم من المتشائمين في مصر وتونس وليبيا و... بعد سنة من هذه الثورات؟
بالعودة إلى التاريخ القريب، وتحديدا في منتصف القرن الماضي جاء جمال عبدالناصر من الضباط الأحرار في مصر وأشعل خيال ملايين العرب وألهب حماسهم... وأدرك حزب البعث في العراق وسورية الحكم ووعدوا جميعا بإعادة الكرامة العربية... واشتدت حركة التحرر وتُوِّجَت بالنصر في تونس والجزائر... وأقيمت جمهورية اشتراكية في اليمن... لكن مع مرور سنوات قليلة وتركز السلط في أيدي نخب الطغيان ومع استفحال المأساة الفلسطينية اصطدمت شعارات تلك المرحلة (الوحدة، الكرامة، الحرية، الاشتراكية...) بصخرة واقع عجيب وما هي إلا سنوات حتى فشلت الوحدة العربية وساد التفكير القُطري فنشأت جمهوريات عسكرية دكتاتورية في مصر وشمال إفريقيا والشام رفعت شعارات (الحداثة والقومية العربية والاشتراكية...) لكن دون ممارسة فعلية لهذه الشعارات بل أحكمت تلك الأنظمة سيطرتها من خلال أجهزة أمن داخلية قوية في شكل مخابرات رهيبة... وانتهت تجارب حكمهم بالفشل الذريع وتركزت الثروة في أيدي قلة قليلة من المتنفذين وانتشر الفساد الهائل فلا حققت أنظمة الحكم تلك ما وعدت به الفقراء، لا، ولا دعمت السيادة الوطنية أو القضايا الحيوية (فلسطين، العراق...) إذ إن مواقف الاحتجاج والتنديد لم تتجاوز مكاتب قصور الحكام ولم تحقق أي هدف مرجوّ حتى كادت هذه الدول تصبح زيفا.
ولذلك اعتبر البعض أن الانتفاضات والثورات العربية في 2011 في شمال إفريقيا وسورية واليمن كانت «بمثابة رفض شعبيّ للضياع الذي وصلت إليه الدول العربية» وكان انتصار الثورتين التونسية والمصرية في الجولة الأولى مبهرا حيث قلبت هاتين الثورتين نظرية لينين رأسا على عقب إذ قال سابقا «إن ثورة ناضجة تحتاج لحزب سياسي منظم ومطيع وقيادة حازمة وبرنامج واضح...» ولكن الثورة التونسية ثمّ المصرية قدمتا الدليل على غير أقواله إذ لم يكن لهما تنظيم سياسي أو قادة محددون أو برنامج محدد. بيد أن الجولة الثانية من الثورة العربية وتحديدا في ليبيا وسورية واليمن كانت جدّ معقدة حيث كان للأنظمة المستبدة الفرصة للتعامل مع الاحتجاجات والاستفادة من تجارب المخلوعين وإعداد المواجهة وإن بسيناريوهات متشابهة وخطابات مستهلكة بتعليق أعمال الاحتجاج على شماعة الإرهاب الدولي بزعامة «القاعدة»... فانتشر العنف ولاحت بوادر الحرب الأهلية وتدخلت القوى الأجنبية وخاصة الغربية لضمان مصالحها الاستراتيجية.
ويعتبر الكاتبان حسين أغا وروبرت ماليف في بحثهما المطول «الثورات العربية المضادة «المنشور بمجلة «نيويورك ريفو أوف بوكس» هذه الصحوة العربية الحالية قصة ثلاث معارك: شعب ضد النظام المستبد وشعب ضد شعب أي بعد انتصار الشعب في الصراع الأول طفا على السطح الصراع بين النخب الاجتماعية والسياسية والعسكرية والأحزاب التقليدية والمحظورة وهو ما عليه الحال في مصر وتونس واليمن وليبيا الآن حيث يشوب الشك العلاقة بين مكونات المشهد السياسي الشعبي ويطغى تبادل الاتهام فيما بينهم على الاهتمام ببناء الديمقراطية الوليدة ولو بنسب متفاوتة بين هذه الدول. أما الصراع الثالث فهو منافسة دولية وإقليمية على النفوذ خاصة بعد تدخل القوى الأجنبية في ليبيا واليمن وسورية بشكل مباشر و»هو ما يجعل التوازن الاستراتيجي في المنطقة على كف عفريت» على حد عبارتهما.
لكن ما شد الانتباه في هذه الثورات هو بروز التيارات السياسية الإسلامية حيث وجدت في الصحوة العربية فرصة ذهبية لتحقق طموحاتها السياسية. فالقوى الإسلامية تكاد تكون القوة الأكبر والأكثر تنظيما بل في رأي الكثيرين هم القوة السياسية الوحيدة حاليا التي لديها رؤية محددة وبرنامج لتنفيذه لذلك ترى قادتها يتعاطون مع المرحلة بكل تأنّ لا يتسرعون في أخذ القرارات وتسجيل المواقف وإنما يسعون للبرهنة على حسن إدارتهم للمرحلة وتطبيق نظام اقتصادي حر وتعددية سياسية وحرية في التعبير وتطبيق سياسة خارجية قوية ومستقلة.
ولكن نشاط التيارات الإسلامية محفوف بمخاطر وتحديات جمّة فتاريخها الطويل في المعارضة يجعل خبرتها في الحكم شبه معدومة واحتمالات الفشل في المرحلة قد يعرض التيارات الإسلامية في الحكم لاحتجاجات جماهيرية ليست لها خبرة لمواجهتها فضلا عن ضغط المعارضة عليها من داخل المؤسسات المنتخبة أو من خارجها كما هو الحال في تونس. هذا فضلا عما يمكن أن يعتري هذه التيارات الإسلامية من الداخل من انشقاقات داخل صفوفها كما في مصر مثلما تمرد شباب الإخوان على قادتهم بسبب تحفظ القادة ضد الاحتجاجات أو علاقاتهم مع المجلس العسكري. أما الأخطر من ذلك فهو تحرّك الثوار الليبيين المضاد بين الفينة والأخرى واستخدام السلاح في المطالبة ببعض الاستحقاقات التي من أجلها خرج الثوار و»جاهدوا» ضد نظام القذافي.
إن بعض البلدان العربية التي نجحت فيها الثورة مفتوحة على أكثر من احتمال في المستقبل القريب من ذلك مثلا الصراع العلني بين الجيش وبقايا النظام السابق والإسلاميين وهذا الصراع يمكن أن يتمخض عن انقلاب عسكري يستولي فيه الجيش على السلطة أو عودة رموز الأنظمة البائدة إلى الحكم أو تمسك التيار الإسلامي بالسلطة.
ولا تبدو العلاقة موثوقا بها بين الإسلاميين - إن تركزت مقاعدهم في سدة الحكم - والغرب مهما أظهر من تعاون ومساندة للثوار بكم اعتناقهم الفكر الديمقراطي الذي حرك سواكنهم نحو هذه الثورات. والتجارب التاريخية القريبة تؤيد احتمال انتهاء وشيك لعلاقة الود بين الغرب والحكومات الجديدة في الدول الثائرة الذين قد يعبرون عن شكرهم للدول الغربية ثم يصحو الغرب فجأة على زعماء عرب جدد ليسوا بالضرورة أصدقاء للغرب فلقد ساعدت أميركا أفغانستان في الظاهر على الأقل على التحرر من سيطرة السوفيات، كما وادّعت أنها «حررت العراق» من دكتاتورية صدام حسين لكن لم يمض وقت طويل حتى تحوّل محررو الأمس إلى أعداء اليوم.
إن هذا الربيع العربي يحتاج ككل ربيع إلى رعاية موصولة لأن نباته مرهف الإحساس يتأثر سريعا بالمناخات المحيطة به خاصة تلك التي تحركها المصالح الذاتية، وإعادة إنتاج بعض الشعارات بما هي الثمار المنتظر قطفها من هذا الربيع أمر مشروع لكن يجب التعامل معها بحكمة حتى لا تتحول إلى نقمة نخسر معها كل شيء
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 3447 - الإثنين 13 فبراير 2012م الموافق 21 ربيع الاول 1433هـ
متفائلين يا استاد
احنا والله متفائلين وعندنا ثقة في التوانسة واخونا في مصر يضرب المثل في الثورات السلمية
دعوها تأخذ فر صتها
تقول ولكن نشاط التيارات الإسلامية محفوف بمخاطر وتحديات جمّة فتاريخها الطويل في المعارضة يجعل خبرتها في الحكم شبه معدومة واحتمالات الفشل في المرحلة قد يعرض التيارات الإسلامية في الحكم لاحتجاجات جماهيرية ليست لها خبرة لمواجهتها فضلا عن ضغط المعارضة عليها من داخل المؤسسات المنتخبة أو من خارجها كما هو الحال في تونس. :
دعوها تأخذ فرصتها لتتعلم كغيرها من التيارات الحاكمة سابقا
رأي سديد يا أستاذ
ولذلك اعتبر البعض أن الانتفاضات والثورات العربية في 2011 في شمال إفريقيا وسورية واليمن كانت «بمثابة رفض شعبيّ للضياع الذي وصلت إليه الدول العربية»
مقدمة تذكرني بالاتجاه المعاكس
هل يعيد التاريخ نفسه؟ وهل تذهب الشعارات هباء منثورا؟ أهي الصحوة المنشودة حقا؟ أم يا تراها زيف ما بعده زيف؟ أهو الربيع العربي؟ أم على رأي البعض التدمير الذاتي؟ أسئلة تراود الكثير من المعتدلين ومثلهم من المتشائمين في مصر وتونس وليبيا و... بعد سنة من هذه الثورات؟
نتمنى
نتمنى ذلك يا استاذ سليم لكن الواقع بيقول انه لا يوجد تفائل ولا هم يحزنون .. لا يوجد حكومه دينيه واحده ناجحه فى العالم .... ثم اننا نرى من يقودون الثورات... ويركبون الأمواج.... فى كل اقطارنا العربيه هم الشيوخ واصحاب العمائم الملونه بألوان الطيف السياسي الطائفى والتكفيرى ونكران الأخر هى التى تسيطر على الساحه.... ونجد ان كلمة رجل الدين التى هى عند البعض بمثابة كلمات الله هى المتحكمه ولا يجوز لك مجرد مناقشتها.... نتمنى ان يكون كلامك اللى دايمآ جميل هو الصح...استاذ سلم ربنا واهبك قلم يستحق الثناء
تفاءلوا خيراً تجدوه
فعلا التفاؤل لا بد أن يكون موجودا وما يحصل خاصة في تونس يبعث على التفاؤل