الزمان: 20 فبراير.
المكان: العديد من الشوارع والأزقة والحواري في المدن والقرى...
استيقظ الفتى باكراً كعادته وقام بالفروض اليومية ثم لبس ملابسه المدنية وتوجه للسعي في أرض الله بحثاً عن رزقه الحلال وإن كان مكسبه بسيطاً فهو يحمد ربه عليه دائماً مردداً شعاره الأبدي والروحي «رزق بسيط في حلال أفضل مئة مرة من رزق مبالغ فيه من حرام وسرقة أقوات الآخرين أو نهبهم وهم نيام». تحرك بسيارته في الشوارع المعتاد أن يقطعها كل يوم من منزله إلى عمله وبالعكس. خرج من مدينة عيسى ومر بشارع عذاري السريع فلم يرَ من بعيد أي أضواء زرقاء أو مظاهر أمنية من أي نوع. فرك عينيه جيداً، مر قرب الجسر بمحاذاة خريطة البحرين فلم يشاهد، على غير العادة منذ عام، سوى أناس تعلو وجوههم البشاشة والفرح وهم يتبادلون إشارات التحايا وكأنهم أصدقاء لم يلتقوا منذ سنوات. اقترب من الشوارع والأزقة الداخلية في منطقة البلاد وعذاري وجدحفص والسنابس، ثم عرج على العاصمة المنامة فرأى ما رآه هناك أيضاً من بعض الشباب وهم يكنسون الشوارع من آثار شيء ما وآخرين يغسلونها ومثلهم يعلقون الزينات عند مداخلها، ومثلهم يوزعون الكعك على المارة فرحين وكأن هنا مناسبة عظيمة تمر عليهم. وهناك مجموعة من الشباب تضع على رأسها شعاراً، لم يتبين الفتى ملامحه جيداً، تقوم بتركيب نصب معين يبدو جميلاً ومعبراً من بعيد عن خريطة البحرين تحتضنها يدان اختلطتا باللونين الأسمر والأبيض مقلمة الأظافر بل هي أشبه بالأيدي الناعمة، وعلى رأس الخريطة دانة كبيرة كُتب عليها «أحبها بعمق الخليج». ومن بعيد يشاهد رجل أمن يساعد سيدة مسنة بعكازها لتجتاز الشارع وآخر يسارع لإبعاد أحد الأطفال عن قطف ورود الشوارع الطبيعية والجميلة ويعطيه وردة صناعية في يده ويربت على كتفه بكل حنان ومحبة والابتسامة لا تفارقه. وآخرون من رجال الدفاع المدني يساعدون فتاتين ووالدهما العجوز في إخراجهم من بيتهم الذي حجبته سُحب الدخان، بمزرعة تقع بين جدحفص وسنابس، كي لا يختنق أحد بالداخل لأنهم بشر قبل أن يكونوا مواطنين أو غيرهم، وذلك إثر حريق شب في البيت المذكور مع ساعات الصباح الأولى.
ثم عبر الفتى العاصمة إلى الجسر المؤدي للمحرق فلم يشاهد أي نقاط على سطر الجسر، بل وجد رجلاً بالبشت البحريني بيده صحن حلوى، وامرأة بعباءتها البحرينية الأصلية ترش ماء الورد على العابرين للجسر من الجانبين ومكبس البخور يحمل نفس شعار الخريطة التي تحتضنها يدان اختلطتا باللونين الأسمر والأبيض تحمل إحداهما غصن الرازقي والأخرى غصن المشموم والأبخرة بروائحها النفاذة بعبق الجزر ومياهها تضفي على المكان أجواء عجيبة ومبهجة تبعث على الزهو بالأمل.
ازداد الفتى استغراباً، وظن أنه قد فاته شيء مهم البارحة وهو في نومه، فأدار مؤشر المذياع على موجة إذاعته فسمع المذيعة تقول: هنا إذاعة البحرين... صوت المحبة والسلام لكل الأطياف والعيون، تستقبل مشاركاتكم في برنامج: نحن نزرع الأمل بلقاء القلوب». فتساءل في نفسه ماذا جرى؟ وأين أنا؟ فجاءه صوت والدته من وراء الباب: قم يا أحمد... الساعة اقتربت من السابعة والنصف يا ولدي... أنسيت موعدك اليوم لتستلم ورقة العقار بمنطقة السيف الذي أُعلن عن توزيعه بالأمس. ففرك عينيه مرة أخرى وهز رأسه كما يفعل بعض الآسيويين الذين يعرفهم معه في العمل منذ سنوات، وصرخ بشكل أفزعه هو قبل غيره: إذن ما هو الذي رأيته وأين؟ هل هو حُلم أم حقيقة؟ ومن هو السيد الذي يريدني لتسليمي قطعة الأرض الموعودة ولماذا هو دون غيره؟ فإذا كنت ما شاهدته هو الحقيقة فما هو هذا الذي يجري الآن؟ إلا أنه فغر فاه مشدوهاً عندما نهض من فراشه وأزاح طرف الستارة عن نافذته التي تقع في أعلى منزلهم الذي يقطنه مع والدته الآن بعد أن فقد والده إثر مضاعفات في التنفس قبل أربعة أيام فقط في ليلة عصيبة مرت في حياة الأسرة، أعادت له شريط الذكريات المؤلمة؛ فرأى اللون الأبيض يفترش الأرض أسفل النافذة وكاد أن يغمى عليه من هول المفاجأة وهو يشاهد الشمس تُطل عليه ضاحكة من وراء زجاج النافذة وهي تدعوه بهدوء لأن يفتح لها النافذة دون خوف.
ملحوظة: ومازال الفتى مشدوهاً لما سيرى
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 3444 - الجمعة 10 فبراير 2012م الموافق 18 ربيع الاول 1433هـ
وهي تدعوه بهدوء لأن يفتح لها النافذة دون خوف
يارب يأتي هذا اليوم عاجلا
احلام الغبشه يبن سلمان وماهي على ربك بعصيه
ادمعت عيني عندما ذكرت هنا البحرين تذكرتها في نهايه السبعينات بعد الافتتاح الصباحي في السادسه من كل صباح وبعدالتلاوه المباركه من القران الكريم يطل صوت استاذي الفاضل عبدالجليل الطريف ببرنامج كان اقرب للقلب من الاذن اسمه الكلمه الطيبه مده البرنامج خمس دقائق وكانت بمثابه المبخر الذي تفوح منه رائحة البخور البحريني الاصيل ليتطيب منه كل من يستمع الى هنا البحرين ايام كان الاعلام البحريني لكل البحرينين وقبل ان يطعم بمشارط التشطير التى اخرجته عن مساره الاصيل ورسالته الساميه رحم الله تلك الايام..ديهي حر