العدد 3443 - الخميس 09 فبراير 2012م الموافق 17 ربيع الاول 1433هـ

دور الدين في المجتمع الليبرالي (1)

منبر الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع منبر الحرية

من أكثر نقاط حوار الإسلاميين والليبراليين سوءًا للفهم هو معنى وعواقب علمانية الدولة أو تدينها بدين معين – في هذه الحالة، الدين الإسلامي. فهناك من الإسلاميين من يظن أن علمانية الدولة معناه تحلل المجتمع من كل خلق وقيم دينية وعادات وتقاليد. وهناك من الليبراليين من يظن، ولأسباب مفهومة تاريخياً، أن إسلامية الدولة معناها أن يؤول بنا الحال إلى دولة نظامها مثل النظام الإيراني أو المجتمع الطالباني في أفغانستان. كلاهما، في رأيي، مخطئ وكلاهما صحيح في بعض مخاوفه. بدلاً من أن أحاول أن أصحح هذه المفاهيم الخاطئة، وبما أنني لا استطيع أن أتحدث عن لسان الإسلامي، سأقدم الرؤية الليبرالية لدور وقيمة الدين في الدولة في أشد نظرات الليبرالية نقاءً. أتمنى أن يرى القارئ أنه حتى في هذه الحالة، سنجد أن الدين والقيم والتقاليد يلعبون دوراً أساسياً في المجتمع ككل، وأن مسار وشكل الليبرالية في مصر سيكون بالتأكيد مختلف عن مسارها في بلدان العالم الأخرى، متمنياً بهذا أن أقلل من مخاوف الإسلاميين من الليبرالية ورؤيتها لدور الدين في المجتمع.


الدولة في النظام الليبرالي

سأبدأ أولاً ببعض أساسيات الدولة في الليبرالية. الدولة بالأساس تمثل إرادة الشعب عن طريق الانتخابات الحرة النزيهة، وهذا عموماً ما نسميه بالديمقراطية. لكن ليست كل ديمقراطية هي ديمقراطية ليبرالية. الديمقراطية بمعناها العام هي حكم الغالبية. الديمقراطية الليبرالية هي حكم الغالبية من دون التعدي على حقوق الفرد والأقليات.

الدولة لها ثلاث سلطات: السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية. هذه السلطات الثلاث تكون منفصلة ولا تخضع واحدة للأخرى. السلطة التشريعية تقوم بتشريع القوانين التي تعكس إرادة الشعب كما هو الحال في أي مجتمع ديمقراطي، والسلطة التنفيذية تنفذ هذه القوانين، والسلطة القضائية تفصل بين أفراد ومؤسسات المجتمع إن كان هناك تعد من أي منهم على الآخر خارج القوانين، أو إن تعدت الدولة على مواطني ومؤسسات المجتمع. السلطة القضائية أيضاً هي الجهة المسئولة عن تقييم التشريعات التي تمررها السلطة التشريعية للتأكد من أنها لا تتعارض مع الدستور أو القوانين الأخرى.


دولة ذات مرجعية إسلامية؟

الإسلاميون يرفضون وبشدة فكرة علمانية الدولة. ويطالبون بدولة مدنية ذات مرجعية إسلامية. في أغلب الأحيان، حين أتحدث مع إسلاميين عن فهمهم لمعنى علمانية الدولة أجد الكثير من سوء الفهم. وهذا لأن التعريف المجرد للعلمانية، ألا وهو أن الدولة لا تدخل في شئون الدين ولا الدين في شئون الدولة وهذا للحفاظ على نقاء الدين وشفافية الدولة، عادةً يترك أسئلة كثيرة عن دور الدين في المجتمع. فالبعض يظن أن الدين في هذه الدولة يهمش تهميشا كاملا أو أن يكون نوعا من العبادات والروحانيات الشخصية من دون أن يكون له وقع على المجتمع ككل. وهذا ليس صحيحا وسببه أن التعريف الشائع لا يدخل في التفاصيل بشكل كامل. سأتخطى في هذه المقالة هذا التعريف المفتقد للتفاصيل، وسأوضح دور الدين والقيم والعادات والتقاليد في المجتمع الليبرالي. لكن سأبدأ أولاً بطرح أسئلة عن فكرة الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية، ومنها سأستنتج الموقف الليبرالي من دور الدين والقيم في المجتمع بوجه عام والدولة بوجه خاص.

السؤال الأساسي: كيف يتأتى أن تكون الدولة ذات مرجعية دينية؟

الدولة تتمثل في السلطات الثلاث التي ذكرتها سابقاً. فلنبدأ بالسلطة القضائية: كيف يتأتى أن تكون المحاكم ذات مرجعية إسلامية؟ السلطة القضائية ما هي إلا مترجمة للقوانين والتشريعات التي تسنها السلطة التشريعية. ولقيامهم بهذا الدور، ليس هناك ما يتطلب إسلامية القضاة أو إسلامية عملهم. كل ما يهم في الموضوع أن يترجم القاضي القانون كما يضعه المشرع (أياً كان مصدر هذا التشريع دينيا أو غير ديني) بصورة موضوعية من غير خلط رأيه الشخصي في القوانين. لو لم يحدث هذا، فستكون التشريعات خاضعة لترجمات غير التي قصدها المشرعون والتي هي تعكس إرادة الشعب، كما هو الحال في أي ديمقراطية.

والكلام نفسه ينطبق على الهيئة التنفيذية. كمنفذ للقانون، رئيس الجمهورية والوزراء وكل من يعمل في الجهات التنفيذية، ما وظائفهم إلا وظائف إدارية. فهم كلهم منفذون للقوانين والتشريعات التي يسنها المشرع. لهم جميعاً حق أن يكونوا متدينين أم لا، لكن تقييم المجتمع لأدائهم للوظيفة لا يمكن أن يعتمد على تدين أو عدم تدين هؤلاء الأفراد. فالأجدر بهذه المسئولية هو من ينفذ القانون في الصورة الأكثر قرباً للتشريع كما وضعها المشرع الممثل لإرادة الشعب. ولهذا، نرى هنا أيضاً أنه ليس هناك أي معنى أو قيمة لفرض أن تكون السلطة التنفيذية ذات مرجعية دينية.

فالبقاء في السلطة يكون للأصلح في ترجمة وتنفيذ القوانين التي يسنها المشرع، والذي هو بدوره يمثل إرادة الشعب الحقيقية.


دور الدين والقيم في المجتمع

فلنأتِ إذاً إلى السلطة التشريعية. أي قوانين في أي مجتمع تستمد من مجموعة ما من القيم. إذا كانت القيم في المجتمع غالبها ديني، فهذا سينعكس على القوانين التي تسن في المجالس التشريعية. وإن كانت لا دينية، فستكون تلك التشريعات لا دينية. ومن الممكن أن تكون مزيجا من الاثنين. لكن المهم هنا أن التشريع في الدولة الديمقراطية يعكس قيم المجتمع بأكبر قدر ممكن.

فكيف نضمن أن التشريع يكون انعكاساً دقيقاً لحال المجتمع القيمي؟

الإجابة على هذا السؤال تقع في صلب رفض الليبراليين أن التشريعات يشترط أن يكون لها مصدر معين مسبقا. لاحظ أنني لم أقل ان التشريع لا يجب أن يكون له مصدر معين (إسلامي، مثلاً). أي ان الليبرالي لا يمانع أن تصير القوانين وبصورة طبيعية ذات مصدر واحد مع مرور الوقت، لكنه يرفض أن يكون هناك تحديد لمصدر التشريع مسبقاً.

وعلى رغم حسن نيته، فرض مصدر واحد للتشريع مسبقاً له مشاكل كبيرة. أولاً، بفرضه مسبقاً ستكون التشريعات الصادرة غير ديمقراطية لأنها سيكون بها انحياز غير ديمقراطي لترجمة معينة لهذا المصدر، ولن تعكس الإرادة الحقيقية للشعب الممثل في البرلمان. فإن اتخذنا الإسلام المصدر الوحيد للتشريع، هل نتبع إسلام أهل الطريقة الوهابية، أم الصوفية، أم الإسلام القومي المنعكس في كتابات حسن البنا والسيد قطب، أم الإسلام «التلقائي» الذي يتخذه الكثير من المصريين الرافدين للطرق والمذاهب الأخرى منهجاً؟

ثانياً، من المهم جداً أن يعكس التشريع بدقة واقع الشعب القيمي. هذا بالأساس يعود بالنفع على هؤلاء المهتمين بالشأن الإسلامي والقائمين على الدعوة الإسلامية. فمن السهل جداً أن تفرض تشاريع تعكس فهمك للشريعة الإسلامية، لكن هل بفرضها بقوة القانون بدلاً من الدعوة لها بقوة الحجة، وشرحها وجعلها جزءًا من العقيدة السليمة للفرد في المجتمع؟ هل يعتبر هذا نجاحاً للمشروع الإسلامي؟

هل سيكون المجتمع حقاً مسلماً، أم سنخلق مجتمعا منافقا يقوم بالعبادات خشية عقاب القانون، أم مجتمعا عقائده مشوهة ينفذ عبادات بلا إيمان حقيقي نابع من قناعة العقل وعشق القلب؟ في وسط هذا الضباب العقائدي، كيف للقائمين على الدعوة معرفة واقع الإنسان العقائدي حتى يستطيع الداعي إلى محاولات تصحيح أي انحراف؟

إن كان حال واقع المجتمع هو بعيداً عن الإسلام في مجال أو أكثر وانعكس هذا في التشريعات، فحينئذ يستطيع الداعية الإسلامي أن يقيس مستوى هذا الانحراف، فيذهب بعدها ويركز مجهوده الدعوي على تلك الأمور التي فيها نقص.

وما يتناساه أيضاً الداعون إلى إسلامية التشريعات مسبقاً هو أن العملية التشريعية وما يصاحبها من حوار ونقاش يزيد من الوعي الجمهوري للقيم الدينية في المجتمع. لكن لو فرضت مسبقاً بحسب رؤية معينة للدين، فسنخلق إما مجتمعاً جاهلاً دينياً وخلقياً أو مجتمعاً منافقاً. وفي تلك الحالتين نخلق مجتمعاً مهلهلاً.

رأيي كمسلم هو أن الإسلام أعظم من ذلك بكثير. أنا أؤمن بأن الإسلام قوته في حجته، وإن كان الطريق الوحيد لنشر الإسلام ومبادئه تتم عن طريق الفرض بقوة القانون، فهذا إن عبر فيعبر عن ضعف ما نؤمن به كمسلمين. فأنا أؤمن بأن الإسلام أقوى فكرياً وروحانياً ومبادئ من أن يفرض بالقوة، وأن الحجة والإقناع هو الطريق الوحيد لإرساء مبادئه، مهما استغرق هذا من وقت

إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"

العدد 3443 - الخميس 09 فبراير 2012م الموافق 17 ربيع الاول 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً