العدد 3442 - الأربعاء 08 فبراير 2012م الموافق 16 ربيع الاول 1433هـ

اغتيال اللغة في الفضائيات العربية

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

يقول استاذ اللغات القديمة بجامعة اوزاكا اليابانية ياكاشينا «إن اللغة العربية الفصحى باتت تعيش أواخر حياتها إذ إنها الآن تحتضر ولن يمضي وقت طويل حتى يتم اعلان وفاتها رسميا، ومن رفاتها تحيا ( لغات) أخرى هي اللهجات العامية المحلية السائدة في كل بلد عربي... تماماً مثلما حدث مع اللغة اللاتينية التي كانت اللغة الأم لكل بلدان أوروبا ثم تلاشت وانزوت على أرفف المكتبات العامة وفي مخطوطات الاديرة والكنائس لتحل محلها كل لغات ـ لهجات أوروبا المعاصرة».

وإذا ما فكرنا في الأسباب نرى أن الأسباب عديدة لموت لغتنا أو احتضارها وما يهمني منها في هذا السياق هو دور الفضائيات العربية التي مازالت تحاول جاهدة أن تكتم ما تبقى من أنفاس للغة العربية لترديها ذبيحة على سطورها المشبوهة والتي باتت لا تمت إليها بصلة، وحينما تموت لغتنا لن يصلي أحد عليها الجنازة ولا الوحشة إذ الصلاة لا تجوز إلا باللغة العربية!

تجد اليوم مذيعاً بإحدى الفضائيات العربية يقدم برنامجاً عربياً متخصصاً في اللغة، وهو يرفع المنصوب ويجر أذيال المرفوع ليهبط به إلى القاع ولا ينتشله إلا صوت الدعاء عليه بالرحمة – هذا إن تكرم أحد عليه به – بالإضافة إلى الأخطاء الأسلوبية والتركيبية، ناهيك عن عدم النشرة الإخبارية الذي يقدّمها مذيع يجعلك تنشغل بلهجته العامية الطاغية على الفصحى في بعض مخارج حروف بعض الأحرف بدلاً من انشغالك بالخبر المقدم.

ومنذ أن تعدّدت الإذاعات والفضائيات العربية ونحن لم نسمع باعلان واحد فيها يشترط على المراسل أن يكون على دراية كاملة باللغة العربية، مبحراً في بحر أسرارها، مستوعباً تاريخ وطنه وجغرافيته ليكون من طاقمها. وما حدث في تلفزيون البحرين في الفترة كان خير مثال على هذا التردي في اللغة العربية، إذ تم توظيف بعض المذيعين ليسدوا مكان من تم فصلهم من دون الالتفات إلى مستوى لغتهم.

وهنا نتساءل هل (المجزرة الإعلامية للغة العربية) واقعة عن جهل بقواعدها أم عن علم وتراخٍ، أم هي من جرّاء حملة من الآخر- المجهول لإلغاء العروبة- إذا ما فكرنا بعقلية المؤامرة التي تسيطر على العرب؟

وهل وصلت بنا اللامبالاة وتمجيد صناعة الآخر إلى الحد الذي نستورد فيه حتى لغاته ونصنعها في حناجرنا، لتتلفظ بها ألسنتنا؟ ونرفض اللغة المحلية حتى في فضائياتنا العربية وبرامجنا الإذاعية؟

هل لابد أن نوصل اللغة العربية إلى حالةٍ من العُجمة والحُبسة اللغوية التي لا مثيل لها من أجل التلاقح الذي يُكسبه ملامحه على الرغم من أن الظاهرة أعقد من ذلك بكثير، وأكثر مدعاة لتأمُلٍ نقدي في الخيمة العربية، يُعيدان الشّدة والضمة والكسرة إلى نِصابها غير المنصوب في محله.

هل سنسمع يوماً بمحاولات جادة لإنقاذ حياة اللغة العربية وإخراجها من العناية المركزة، بعد أن تعاد دماها من خلال القائمين عليها ممن قتلوها قبل غيرهم؟ وهل سيعود الزمان الذي نعيد للغة أمجادها وحضورها الذي يرهّب الآخرين؟ أم يظل سيبويه متحسراً على ما أنجزه للغة، يتبعه ابن هشام في الجهة الأخرى من الخوف الذي لو شهد واقعه لصرخ واحتضر وهو واقف على مبراة حرفه يقطر غضباً

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3442 - الأربعاء 08 فبراير 2012م الموافق 16 ربيع الاول 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 12:54 م

      لغتنا الجميلة

      المقال حلو وجميل ورائع وبارك الله لكاتبته و اللغة العربية في تقدم و ازدهار

    • زائر 3 | 11:11 ص

      نقد موضوعي مع التحية

      المقال يتجلى فيه نبل المقصد وسمو الغاية وأهمية الموضوع ولكنني كمتخصص في اللغة ، أرى أن الأمر لا يقتصر على تدني المستوى اللغوى لدى مقدمي البرامج بل ينسحب أيضا وبشكل لافت على كتاب المقالات بالصحف . وألتمس العذر إذ أنني أحصيت بالمقال أعلاه العديد من "الملاحظات" على الأسلوب و الصياغة ،بل إن الفقرة قبل الأخيرة منه في حاجة إلى شامبليون لفك رموزها.

    • زائر 2 | 6:31 ص

      اطمئني يا ام قيس الغيورون على اللغة موجودون

      اللغة العربية باقية وقوية ببقاء القرآن وهي بخير والكثير من الاجانب يقبلون على دراسة اللغة وعلومها ولا تقلقي وان كان معك الحق في الكثير إلى ما ذهبت إليه بفعل الحكومات العربية المتمركة والمتصهينة التي تحارب الإسلام و اللغة بتهميشها وإبعادها عن ميادين الحياة بفعل جهلهم ورهن أنفسهم بالمستعمر سواء اكان في المشرق العربي أو مغربه

    • زائر 1 | 5:18 ص

      فعلا

      شكرا لك استاذة على هذا المقال نحن بحاجة الة الاهتمام بلغتنا العربية التي هجرناها منذ زمن دخول الفضائياتا علنا وصرنا نهتم بالمدارس الخاصة لانها تعلم الانجيزي

اقرأ ايضاً