من أوائل الإصدارات الشعرية البحرينية التي قرأتها في منتصف السبعينيات «خروج رأس الحسين من المدن الخائنة»، لقاسم حداد، في مكتبة نادي البلاد القديم.
وقتها كنت أذهب إلى سوق المنامة أيام ازدهاره، ومنه أقصد نادي «النسور» مشياً على الأقدام، لأقتني أحياناً بعض إصدارات دار أسرة الأدباء هناك. وفي موسم 1979، دُعي حدّاد لأمسية شعرية في كلية الخليج الصناعية في سنتنا الدراسية الأولى، وأعجبني فيه تواضعه ولم يعجبني إغراقه في الرمز.
ما أعرفه أن ذلك الجيل من الادباء والشعراء والحركيين، تعرّض إلى حملات قمع، فانكفأ بعضهم على ذاته وصمت، وبعضهم زاد إغراقه في الرمز. وظلّ فريقٌ ثالثٌ يكتب حسب السقف المسموح. وهي خياراتٌ تحترمها مادامت في هذه الحدود... فلا يكلّف اللهُ نفساً إلا وسعها.
في العام الماضي، ومع هبّة نسائم الربيع العربي وانعكاساتها المحلية، شهد المشهد البحريني انشطاراً غير مسبوق، بعودة الكثير من «المثقفين» إلى قواعدهم الطائفية. فأسرة الأدباء والكتّاب انشقت على نفسها، أسوةً بالكثير من المؤسسات الأهلية. والأسوأ أن بعض الكتّاب «القدامى» أصبحوا في مقدمة المنظرين لتشطير المجتمع، بعيداً عن أية رؤى سياسية أو وطنية جامعة.
حين كنا نقرأ سابقاً عن «المكارثية» التي استهدفت الكتاب المستقلين واليساريين، في أميركا الستينيات، لم يكن يخطر ببالنا أن كتاباً مستقلين أو يساريين سيلعبون الدور نفسه ضد زملاء لهم في 2011، ويضعون حول صورهم الدوائر الحمراء لإدانتهم بالمشاركة في مسيرةٍ سلميةٍ أو اعتصام، تمهيداً لمحاكمتهم. إن أسوأ ما يمكن أن يقوم به كاتبٌ أو شاعرٌ هو أن يتحوّل إلى واشٍ أو مخبر.
في أثناء اشتداد الأزمة، طلع علينا اثنان من الأدباء ببيانٍ انفردا به، ليتميّزا به عن الجموع. كان بياناً هلامياً لا ينصر حقاً ولا يخذل باطلاً. إنه من ذلك الجنس الكلامي المغرق في الرمز، وهو أسرع وأسهل طريقةٍ للهرب والاختباء وقت الملاحم والمحن.
قبل أيام، نُشرت مقابلةٌ لأحدهما، ينطبق عليه ما قاله عن «النخبة» التي «لم تعد قادرةً على التمييز بين الصواب والخطأ». وكلامٌ عامٌ كأن دماً لم يسل، ودموعاً لم ترقأ. ويعمّم التهمة على الجميع: «تركوا فضيلة الحوار والإصغاء والاحترام، وراحوا يتراشقون بوابل من مفردات التخوين والتهميش والازدراء والتضليل». إن الجمل العامة الرجراجة أسهل طريقةٍ لتعويم القضايا الكبرى والهرب من استحقاقات المراحل الصعبة.
إن أسوأ ما يمكن أن يقوم به المثقف هو ادعاء الحكمة والتشاطر أيام الأزمات. وقديماً قال لقمان الحكيم: «إن في الصمت لحكمة وقليلٌ فاعله»، وكنا سنحترم صمته. وفي الكلمات تندس الاعترافات: «كنا نكتب معاً كمن يلهو، كمن يحلم».. فهل هذه هي رسالة النخبة في الحياة؟
حين كان المهاتما غاندي وجواهر لال نهرو وأبوالكلام آزاد وسواهم يناضلون من أجل استقلال الهند، ويدخلون سجون الانجليز، ويضربون عن الطعام، ويقودون مسيرات الملح، كان الشاعر العاطفي جداً رابندرانات طاغور يقضي أكثر أوقاته في مركب بنهر الغانغ، ويؤلف قصائده الرومانتيكية في الطبيعة وجمال البنغال، في ديوان «القارب الذهبي». وكان الانجليز يمدحونه وينشرون أشعاره بالانجليزية ليتعرّف العالم من خلالها على روح الهند المهادِنة السابحة في الخيال! يومها كتب غاندي إلى طاغور: «إن الشعر الجميل لا يُشبِع جائعاً، ولا يكسي عرياناً. الهند تحترق وأنت تتفرج»!
في الماضي كان الخلفاء يعقدون ألسنة الشعراء بصرر الدراهم، وفي العصر الحديث يعقدونها بطباعة كتابٍ، أو برحلةٍ مدفوعةٍ لبلدٍ أوروبي من أجل التفرّغ لإنجاز مشروع الشاعر الخاص.
إنه مشروع مقايضة باهض التكاليف، لا يضمن الدخول في العالمية، ولكنه يكرّس الغربة ويضمن الخروج من قلوب الناس
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 3440 - الإثنين 06 فبراير 2012م الموافق 14 ربيع الاول 1433هـ
سيدنا وهذه بيتين شعر هديه
كم انادي وانادي لا الاقي من مجير
قدمايا حزها قيدي واصلاني الهجير
اوهذا السجن يطفي نار ثاري ام
يقرر لي المصير
تحياتي...ديهي حر
سقوط الاقنعة
الازمة التي تمر بها البلاد منذ عام اسقطت الكثير من الاقنعة التي كانت تزين بعض الوجوه من مختلف الاتجاهات الثقافية، المهنية و السياسية و فعلاً اثبتت مواقف الكثيرين انه "عند الشدائد تعرف الرجال".
ضريبة
هذة ضريبة من يقول الصدق اما ان تكون معنا او أنت ضدنا زمن غريب
إنتهازية المثقفين
أخي قاسم : لقد وضعت يدك على جزء كبير من الحقيقة .. نحن مثلك ما زلنا مندهشين من موقف أولئك الأدباء والكتاب الذين تخلوا عن أخلاق المثقفين ساعة العسرة ولم يتوانوا من نهش لحم إخوانهم غير أن تاريخ الثقافة والوطن لن يرحمهم
من هم المثقفون ؟؟؟
المثقف الذي لا يعيش هم أمته ومجتمعه ليس بمثقف فعلا وفاعلا والاخطر منه المثقف أو مدعي الثقافة الذي يعمل ضد مطالب شعبه لا لشئ سوى مصلحة شخصية تهمه
وقال أحدهم في مقابلة له للمذيع لماذا تسألني لماذا ولماذا لماذا لا تسأل ذاك المفكر والمثقف والمنظر عما قال على مرأى ومسمع من الجميع في الموقع المحظور ذكره
هذا جواب أحدهم من مدعي الثقافة لكن يمكن القول هذه محطة امتحان ساء للمثقفين أو غيرهم وفيها من نجح وفيها من رسب ويالخسارة الا الفريق الثاني وبخاصة من اختار لنفسه هذا الموقف وهذه النتيجة