نظم الصوفيون في ليبيا مسيرة في قلب العاصمة طرابلس أمس السبت (4 فبراير) للاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف في تحد للسلفيين الذين مارسوا ضغطا من أجل إلغاء هذا الاحتفال.
وردد المشاركون في المسيرة الأناشيد الدينية على دقات الطبول والصنج النحاسية واكتظت بهم الأزقة الضيقة بالبلدة القديمة احتفالا بالمولد النبوي الحدث الأهم عند الصوفية.
وكان الاحتفال هو الأول من نوعه بعد الإطاحة بالعقيد معمر القذافي في أغسطس آب. وكان القذافي يفرض رقابة مشددة على كل مظاهر التدين خلال حكمه الذي استمر 42 عاما. واحتفل الصوفيون بالذكرى رغم مخاوف من احتمال أن يهاجم السلفيون المتشددون المشاركين في الاحتفال الذي يعتبرونه بدعة. وأصبح التوتر بين الصوفيين والسلفيين الذين يعتنقون الفكر الوهابي وغيرهم من غلاة الإسلاميين عامل انقسام رئيسيا في السياسة الليبية في وقت يبدأ فيه تشكيل أحزاب لخوض انتخابات حرة في يونيو حزيران.
وبدأت الاحتفالات في طرابلس بطقوس صوفية في زوايا تقليدية في البلدة القديمة. وفي زاوية سيدي عبد الرحمن جلس رجال يرددون الأذكار ويمدحون النبي في قاعة معبقة برائحة البخور في حين وزع آخرون شراب اللوز والبسكويت على الموجودين بالخارج. وأطلق صبية ألعابا نارية ثم خرج المحتفلون من الزاوية إلى الأزقة بينما وقفت النساء في الشرفات ومداخل البيوت يتابعن المسيرة بأنظارهن. وقال علي بن نور إمام زاوية سيدي عبد الرحمن "بالنسبة للاحتفال معروف.. إحنا (نحن) نحتفل بمولد سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم بالقرآن وبالأذكار وبمدحه وتعريف سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة الإسلامية في داخل تاجوراء ثم داخل طرابلس ثم في بلادنا كلها.. ليبيا الحرة.. ثم في العالم الإسلامي كله." وأضاف ردا على سؤال عن موقف السلفيين من الاحتفال بالمولد النبوي الشريف "السلفيون الصحيحون يحتفلون بمولد سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم. ولكن إذا كان فيه مجموعة خارجة عن الصوفية أو خارجة عن السلفية أو خارجة عن.. يعني تنتمي لانتماءات أخرى.. فنحن براء نها." وفي احدى ليالي شهر يناير كانون الثاني الماضي هدم متطرفون جدار جبانة قديمة في بنغازي بشرق ليبيا وعبثوا بمقابرها وأخرجوا رفات 29 من الأولياء والصالحين الذين يحظون بالاحترام كما هدموا زاوية صوفية قريبة. وقال ليبي من الصوفية يدعى عثمان محمد شارك في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في طرابلس "الاحتفال النبوي.. بذكرى المولد النبوي الشريف احتفال من قديم وليس بدعة بدليل أن سيدنا محمد سئل عن صيام الاثنين فأجاب الرسول صلى الله عليه وسلم عن يوم الاثنين أن ذاك يوم ولدت فيه وبعثت فيه. وبذلك فالاختفال بالمولد النبوي الشريف ليس بدعة." وفي بنغازي شارك مئات الصوفية في مسيرة إلى إحدى الساحات الرئيسية بالمدينة في حراسة 30 من المقاتلين المسلحين. ومرت الاحتفالات بسلام رغم مخاوف من عمليات انتقامية من المتشددين الذين وزعوا كتيبات في الأيام الأخيرة تحث الناس على عدم المشاركة في الاحتفال بالمناسبة. وفي إحدى مراحل الاحتفال تدفق المشاركون في المسيرة في طرابلس على ساحة الشهداء التي كان اسمها سابقا الساحة الخضراء وكان القذافي يلقي فيها خطبه أمام أنصاره. وحتى بعد مرور الاحتفالات بذكرى المولد النبوي بدون حوادث يقول زعماء الصوفية إنهم ما زالوا يشعرون بالقلق لأن الكثير من المسؤولين الدينيين بعد سقوط القذافي لديهم ميول سلفية ويعينون أئمة ذوي فكر مشابه في المساجد بأنحاء البلاد. ويقول الصوفية أيضا إن الدعوة السلفية منتشرة كذلك في التلفزيون والإذاعة الأمر الذي يثير قلقهم من محاولة لحصارهم داخل شكل جديد من الإسلام السياسي.