العدد 3437 - الجمعة 03 فبراير 2012م الموافق 11 ربيع الاول 1433هـ

ماذا لو كنا نعيش في غير هذا الزمان؟

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ماذا لو استيقظنا من النوم لنرى أن محرِّك البحث «غوغل» قد توقف عن العمل نهائيًا؟ لنفترض أكثر من ذلك، ماذا لو عاد بنا الزمن إلى ما قبل العام 1969م، عندما ظهرت الانترنت إثر قيام وزارة الدفاع الأميركية، بتحديث آلياتها الاتصالية لمساعدة قواتها على التواصل، عبر شبكات الحاسب الآلي؟ بل وماذا لو لم يكن لدينا حاسوب (Computer)، ولم يطلِق الاتحاد السوفياتي (سابقًا) في العام 1957 أول قمر صناعي إلى الفضاء، ولم يأتي بول نبيكوف، ولا فارنزورث ولا جون بيرد، ولا فلاديمير زوريكين ليخترعوا لنا (بالتعاقب) التلفزيون لكي نرى العالَم وما يجري فيه! وماذا لو كنا قبل العام 1702 عندما صَدَرَت أول صحيفة يومية في العالَم، وكان يقرأها فقط عليَّة القوم، وأصحاب الذوات من أبناء الملوك والقصور الفارهة والطبقات الأرستقراطية المتنفذة؟

ماذا لو تخيلنا أبعد من ذلك. ماذا لو لم يأتي الكسندر بوبوف في العام 1895 وبعده غوليلمو ماركوني، ونيكولا تيسلا لكي يخترعوا لنا المذياع نتعرف من خلاله على شئون الدنيا. وماذا لو لم يأتي أنتونيو ميوتشي أو غراهام بيل لكي يصنعا لنا الهاتف في القرن التاسع عشر؟ وماذا لو لم يُختَرَع التيلغراف الصوتي ولا الموسيقي. ولم يأتي روبيرت بويل وجوهان تزان ولويس داجير ليخترعوا لنا الكاميرا، وتظهر أول صورة يراها العالَم في العام 1826؟ وماذا لو أننا أدركنا التنقل والسفر بالعربات والخيول والحمير والجِمال؟ فتُقطع المسافة بين قريتين كلندن وغلاسغو جنوب اسكتلندا في 12 يومًا، وتنقل البضائع المصدرة والمشتراة بسرعةٍ تقل عن 20 ميلاً في اليوم؟ وماذا لو أدركنا أن رسائل البريد الورقي بين لندن وواشنطن كانت تتم مرة واحدة في الشهر فقط؟

هدَفي من استحضار كلّ ذلك الافتراض، هو اختبار قيمة البشر الحقيقية، وعلاقتهم بتطوِّر حياتهم. ما يظهر من كلّ ذلك، أن جميع ما نقوم به ونتفاعل معه اليوم هو مختلف في جهده العضلي والعقلي والنفسي عن ذلك المبذول في سنين غابرة.

الاقتصاديون يقولون: أن قيمة المليون اليوم، تختلف عن قيمتها قبل ثلاثين سنة. بمعنى أن مليون العشرينيات من القرن الماضي هو أضعاف مليون الحاضر. هذا صحيح، لكن ذلك يُظهِر، أن هذه الميكانيكية في المقاربة بين الأشياء، تنسحب حتى على البشر وطاقاتهم وإبداعاتهم، وبالتحديد في مسائل الإنتاج الذاتي. والتاريخ يُحدثنا، أن الجندي في ساحل ليغوريا على الأراضي الإيطالية في نهايات القرن الثامن عشر مختلف جدًا في طوله وقدراته الجسمانية عن جندي اليوم، بل إن جندي الثورة الفرنسية على سبيل المثال، كان بإمكانه أن يمشي بكامل عدته الحربية ثلاثين ميلاً في اليوم، ولمدة أسبوع كامل دون توقف.

من بين كلّ تلك الفروقات، يضع المرء نفسه (إن كان كاتِبًا أو مؤلِفاً) في ذلك الزمان الغابر، الذي لا يوجد فيه لا ثورة اتصالات من انترنت وحواسيب وهواتف أرضية أو محمولة، ولا وسائل مواصلات نشِطة، من طائرات وسيارات وقطارات تسير كالبرق! لا يبدو أن الأمر سيكون بالسهل أبدًا. هذا يعني أن تأليف كتاب قبل أربعة قرون، كان يحتاج إلى 100 ضعف من الجهد المبذول اليوم. لك أن تتخيّل، أن كاتِبًا أو مؤلِفاً في هذا الزمان، بإمكانه أن يضغط زرًا واحدًا في حاسوبه الشخصي لتأتيه مئات الآلاف من الكتب والمراجع والإصدارات، التي تحاكي المفردة التي طلبها لكي يضمّنها في بحثه. بعكس القدماء، الذين كانوا يقطعون الأراضي والفيافي، ويحجُّون البُلدان على البِغال والدواب لكي يظفروا بمعلومة أو بعالِمٍ فذ، أو ليحصلوا على كتاب مركون في بيت مهترئ مغيَّب، لا عنوان له ولا سِمَة ولا دليل، يستعينون به وبأفكاره في تأليف كتاب جديد!.

ما نخطُّه نحن اليوم، أو ما يؤلفه الآخرون، لا يعدو كونه اجتهادات على حوافّ الأصول. وعادة ما تكون الاكتشافات عظيمة ومهمَّة عندما تكون الوسائل التي استخدِمت فيها شحيحة وبدائية. فالوسائل التقنية التي اكتشِف بها كوكب نبتون في العام 1846 كانت بدائية جدًا مقارنة بالوسائل الموجودة اليوم بين أيدينا فيما لو كنا قد اكتشفناه في حاضرنا. والجهد الذي بذله رائد السكة الحديد البريطانية جورج ستيفنسون كان أضعاف ما سيبذله لو عاش في يومنا. ولو أن غالفاني موجود بيننا اليوم لاخترع أكثر من التيار الكهربائي الذي اكتشفه في العام 1786 وكذلك الحال بالنسبة لـ فولتا (البطارية) في العام 1799، ولـ أورستيد (الرابطة بين الطاقتين الكهربائية والمغناطيسية) في العام 1820 وأضرابهم من العلماء الكبار، وهو ما يعني أن عقول أولئك هي أكثر توقدًا من عقول اليوم، وأكثر جِديَّة ونشاطًا من علماء اليوم.

هذا الاستحضار، يجب أن يزيدنا تواضعًا على ما نحن فيه. فما نرفل بداخله من تطوّر وتكنولوجيا، هو بالأساس، قد سهَرَ على بنائه العديدون ممن كانوا أقلّ منا مالاً وقدرة في الوسائل، لكنهم أيضًا كانوا أكثر منا نشاطًا وانفتاحًا. كلنا نرى خرائط الأرض المكوَّرة ونؤشِّر بإصبعنا على هذه البقعة أو تلك ونحن نبتسم، ثم نتحدث عن حركة الأرض، وثبات الشمس لكننا لا نتذكر أن العالِم الفلكي والفيلسوف والفيزيائي الإيطالي جاليليو كان قد دفع حياته نفيًا ومحاكمةً، دفاعًا عن تلك الأفكار. نعم، نحن كلّ شيء عندما نقارَن بالعدم، ولكننا لسنا بشيء عندما نوضَع بجنب اللانهاية، كما قال الفيزيائي والفيلسوف الفرنسي بليز باسكال. واللانهاية، هي النافذة التي يجب أن نراها ونحن نقول أو نفعل شيئًا

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3437 - الجمعة 03 فبراير 2012م الموافق 11 ربيع الاول 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:12 ص

      110 اجزاء!!!!!

      يعني الشيخ المجلسي مثلا كم قعد يكتب في المجلدات ؟؟!! 110 أجزاء في ذاك الزمن !!!!!!!!!!!

اقرأ ايضاً