العدد 2484 - الخميس 25 يونيو 2009م الموافق 02 رجب 1430هـ

التفاوض المنقوص

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

سألوه: من هو الدبلوماسي؟ فقال: شخص يطلب منك الذهاب إلى الجحيم بطريقة تجعلك تستعجل تلك الرحلة. ثم سألوه: ما هو التفاوض؟ فقال: فن تقسيم الكعكة بطريقة ينصرف كل أحدٍ من الحضور وهو يعتقد أنه حصل على الجزء الأكبر منها.

على أيّة حال، فإن اعتقد الجميع أنه أخذ حصّة أكبر أو لم يعتقد بذلك فإن التفاوض يبقى مسارا يختلط فيه الترابط والتركيب والتعقيد والغموض. وآية ذلك هو اتصال كلّ تلك الحالات بأصول الموضوعات المُختَلف عليها.

غاية الأمر هو التعرّض لما قاله سلام فياض رئيس الوزارة التابعة لمحمود عباس في رام الله عن إمكانية قيام الدولة الفلسطينية خلال عامين من دون الحاجة لانتظار انتهاء الاحتلال الصهيوني!.

بالطبع قد يكون ذلك صحيحا، بل أكثر حين تكون الدولة أكثر تحنيطا لجوفها. فعندما تكون الدولة الفلسطينية بلا جيش ولا سلاح ولا طيران ولا مدفعية ولا نظام اتصالات ولا نظام مصرفي مستقل ولا حدود آمنة فيُمكنها أن تتحقّق في أسبوع، لأن اقتصارها على عَلَمٍ يُرفرف ونشيد وطني يُعزَف لا يحتاج مزيدا من الوقت.

ما يهمّ الفلسطينيين ليس دولة بهذا المستوى لأنها لا تعدو شكلا دراميا من هوليود. المهم هو أن التفاوض يجب أن يتناول أصل الصراع ومآلاته. التفاوض بشأن التعويضات والأملاك والأكلاف السياسية، وعن التاريخ المُجيّر.

اليوم يتحدث مثقفو وأساتذة جامعات تل أبيب (الدينية والعلمانية منها) عن أشياء أخرى وأوسع. هم يتحدثون عن «عَبْرَنَة» الصراع بينهم وبين العرب. وأنهم موجودون هنا (في أرض الميعاد) منذ ألفي عام، وأن كل ما فعلوه هو فقط عودتهم لأرضهم التاريخية. هذا الكلام ليس ترفا يُقال، ولا ادّعاء يُرمى، هو يُسمع بشكل مستمر من قِبَلِهِم في الإذاعات العالمية.

هذا الحديث يُوسّع من دائرة العداوة الصهيونية للعالم العربي. لأن ذلك يعني الرجوع إلى عبور هؤلاء من العراق إلى فلسطين، ثم علاقة أؤلئك بأجناس أخرى من أراميين وآشوريين وعماليق وغيرهم، ليُفتح الباب أمام غور تاريخي سحيق لا ينتهي إلاّ بإعادة عقارب الساعة لأيام سام بن نوح.

ذلك الحديث سيعني أن خريطة الدنيا يجب أن تتبدّل. على الألمان أن يرجعوا إلى الهند حين يُقرَّر أن الشعوب الألمانية جاءت من الهند عبر الهجرات الهندأوروبية. وعلى السلالات التي شكّلت المملكة الفرنكيّة في فرنسا أن تطالب بحقوقها وهكذا دوليك.

هذا المنطق العَدَمِي لا يُؤسس لمفاوضات تُنتج شيئا نافعا للعباد. هو يُشرذمها ويجعلها قابلة للقضم حينا وللتسويات المنقوصة حينا آخر. فعندما تتفاوض مع أناس يُريدون إرجاع الأوضاع إلى مُربّع التاريخ غير المكتوب فهذه مصيبة.

كذلك ماذا يعني أن يُجبَر المفاوض الفلسطيني على أن لا يحتج أو يتحدث عن يهودية الدولة العبرية. هذه الدولة التي تعتبر نفسها دولة علمانية لكنها لا تقبل في الوقت نفسه باختلاط أديان أخري وقوميات الأغيار لأن يكونوا على أرضها، بمن فيها مليون ونصف المليون عربي موجودون داخل الخط الأخضر. إنها حالة وطنية من نوع آخر.

هذا التوصيف لدولة جارة ستكون إلى جوار دولة فلسطينية «مُتَصَدَّقٌ» بها على أهلها الأصليين منطق غير مقبول. بل إنه قد يُؤسس لمناخ احتراب أكثر خطورة حين ينزلق من السياسة إلى الدين كأحد الأوعية الروحية والفكرية القديمة في تسكين اضطرابات البشر.

في المُحصّلة لا يُمكن التبشير بدولة فلسطينية دون التطرق إلى مثل هذه الأمور. وإلاّ أصبحت القضايا مفتوحة دون نهايات واضحة لدى الطرفين. عندها لا يكون بوسع أحد أن يضمن عودة الصراع إلى أصله الأول.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2484 - الخميس 25 يونيو 2009م الموافق 02 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً