سيطّلع قرّاء «الوسط» على خبر اعتصام مجموعةٍ من خريجات الفنون التربوية، اللائي وقفن أمس تحت الشمس ليوصلوا صوتهن إلى أذن وزارة التربية والتعليم.
في صور الاعتصام، تظهر عشرٌ من بنات البحرين، تحمل اثنتان منهن علم المملكة، وتحمل الثالثة صورة لعاهل البلاد، وترفع أخريات لافتات تعبر عن مطالبهن: «أيها المسئولون لماذا لا تنفذون توجيهات جلالة الملك بصون كرامة المواطن وتوظيفنا؟ ألسنا أبناء الوطن؟»، و»نحن طلبة الفنون عانينا وتحملنا التكاليف الباهظة للتخصص أفلا نستحق توظيفنا»؟.
من يقرأ هذه العبارات حتى لو لم يكن بحرينيا، سيكتشف وجود خلل. ومنظر اعتصام مجموعة من الخريجات على أبواب وزارة التربية، الذي أصبح مألوفا عندنا للأسف، سيكون مثار استغراب لدى أي زائر خليجي. ففي الوضع الطبيعي لا يحتاج المواطن إلى اعتصامٍ حتى يُمنح فرصته لخدمة بلده وكسب لقمته الحلال. الشاب أو الشابة الخليجية لا تحتاج إلى الوقوف تحت أشعة الشمس يوما بعد يوم، أمام وزارة التربية لتمنح فرصة عمل لتحقيق ذاتها وحفظ كرامتها والمساهمة بتكوين أسرتها... فلماذا لا يحدث ذلك إلا عندنا في البحرين؟ أليس ذلك بسبب وجود خلل من الحجم الكبير؟
ألا تحتاج العبارات المكتوبة إلى وقفة تأمل؟ فهذه مجرد عينات من جيل الخريجين الجدد، يرفضن بصريح العبارة «سياسة التوظيف الانتقائي القائم على التمييز والواسطة»، والتلاعب بتقليل عدد الناجحين في امتحان القبول. بعضهن نجح 3 مرات في الامتحان ولكن «رسبن» في الامتحان الرابع... ويردن معرفة السر في هذه العملية الانقلابية!
بعض هؤلاء خريجاتٌ منذ سبع سنوات، ومع ذلك يجري استقدام مدرسات من دول أخرى ليشغلن أماكنهن في العمل، ويتم التجديد لهن سنويا، وهو ما يشكّل حافزا للاحتجاج، فضلا عن حجتهن بوجود مدارس فيها نقصٌ في هذا التخصص، ولكن الوزارة تسد حاجتها بمدرّسات تكنولوجيا ولغة عربية.
هذا من ناحية خلل سياسة التوظيف، أما من حيث طبيعة التخصّص فإن مجال العمل الوحيد أمامهن هو وزارة التربية، لئلا يخرج أحد المدافعين عن السياسات الخاطئة فيشكّك في قدراتهن وتأهيلهن، فهن من خريجات جامعتنا الوطنية، وكثيرات منهن فنانات من الأساس، صقلن مواهبهن بالدراسة التخصصية، وفي الاعتصام حرصن على عرض مجموعةٍ من اللوحات الفنية الناضجة، لإسكات من في قلبه مرض أو وسوسة أو رغبة في التضليل والاستهبال.
المنظر يتكرّر كل عام. مجموعاتٌ من شبابنا وشاباتنا يعتصمن أمام الوزارة للمطالبة بحق العمل الذي يضمنه الدستور وتعرقله السياسة. وتخرج بعض الأصوات غير المسئولة، لتتهم ضحايا التمييز هؤلاء، بأن لهم أجندة خاصة، وأن هناك هجوما مدفوعا على وزارة التربية! ويتواقح آخرون أكثر بتحريض الوزارة على أن تصم أذنها عن سماع أصواتهم، وتركهم نهبا للبطالة التي تحرق سنوات شبابهم، وتدمّر طاقاتهم، وتطحن أعصابهم وتدمّر مستقبلهم.
الاعتصام ضمّ عشرا من مجموع خمسين خريجة فنون عاطلة، وهناك تخصصات وقوائم عاطلين أخرى، من بينهم خريجات الخدمة الاجتماعية اللائي أنكرتهن وزارة التربية، وعرضت عليهن «تمكين» العمل في استوديو أو مندوبات مبيعات. وهناك قائمة الـ 1900 التي وُظّف منهم 500 فقط، وهناك 2400 مسجلون لدى وزارة العمل. وهناك 600 عاطل جديد بسبب الأزمة المالية، كلهم ينتظرون حلولا لمشاكلهم ومعاناتهم، لكيلا يخرج البعض ليوجع رؤوسنا بحكاية الأجندات السياسية والمؤامرات الدولية والارتباط بالـ «كي جي بي» أو الموساد!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2484 - الخميس 25 يونيو 2009م الموافق 02 رجب 1430هـ