من المتوقع ان يطرح في الأسواق في العام المقبل جهاز غسالة ملابس صديقة للبيئة تستهلك كوبا واحدا فقط من المياه أثناء عملية التنظيف. وتستهلك الغسالة التي طورتها جامعة «ليدز» البريطانية، أقل من عشرة في المئة عما تستهلكه الغسالات التقليدية من مياه، وطاقة أقل عن تلك، تصل إلى حد 30 في المئة، لكونها تستعيض عن المياه باستخدام الآلاف من الحبيبات البلاستيكية الدقيقة الحجم، التي يمكن إعادة استخدامها مرارا، وتستند تقنيتها إلى جذب وامتصاص الأوساخ جراء الرطوبة». وتحتاج هذه الغسالة الثورية، كما تصفها صحيفة «التغراف»، إلى «كمية قليلة للغاية من المياه ومسحوق الغسيل، لترطيب الملابس والأوساخ، ويتيح بخار المياه للحبيبات البلاستيكية بدء التنظيف، وبعد انتهاء دورة الغسيل تترسب جميعها في كوة، حيث يمكن إعادة استخدامها مئات المرات».
قد تبدو هذا الغسالة التي تقف وراءها شركة «زيروكس»، والتي اخترعها بروفيسور ستيفن بركينشو، من جامعة ليدز، غير مختلفة كثيرا عن تلك الاختراعات التي لا تكف وسائل الإعلام عن تناقل أخبارها، لكن مصدر تميزها، وكذلك أهميتها على حد سواء، كونها تساهم، وبشكل مباشر في حل مشكلة إنسانية مزمنة معاصرة، قابلة للانفجار مستقبلا مالم يتم التصدي لها بشكل جذري ومبكر، والتي هي ندرة المياه وإصرار الإنسان على هدرها.
فكما ورد في تقرير مجلس المياه العالمي الصادر العام 2007، فإن «ثلثي سكان العالم سيحرمون من المياه بين عامي 2020 و2030». ويعتبر رئيس مجلس المياه العالمي لويس فاوشون ندرة المياه مشكلة ذات أبعاد ثلاثة هي «الغذاء والصحة والصناعة»، مؤكدا أنه «من دون الاستخدام الصحيح لمصادر المياه والطاقة (أي عدم الإهدار) لا يمكن تنفيذ برامج التنمية وحماية الغذاء»، محذرا من «أن هناك 25 ألف شخص يموتون يوميا و200 مليون مريض سنويا بسبب نقص وعدم توفر المياه النظيفة».
ويؤكد تقرير صادر عن الأمم المتحدة أن «19 في المئة من الوفيات حول العالم ناتجة عن الأمراض المتصلة بتلوث المياه، وهي تحصد من الضحايا أكثر مما يحصد الإيدز، إذ يموت سنويا نحو مليونين و200 ألف إنسان جراء أمراض يسببها تلوث المياه».
وما يضفي على الإختراع صفة «الثورية» ذلك الهدر غير المبرر الدي يمارسه الإنسان، دون أي استثناء بحق المياه. إذ تربط بعض تقارير الأمم المتحدة المنشورة بين النقص في إمدادات المياه وهدرها من جهة وسوء التغذية في الدول النامية من جهة أخرى، موضحا أن « 70 في المئة من المياه العذبة في بعض الدول النامية و30 في المئة في كل هذه الدول تستهلك في الري الزراعي، الذي يسجل هدرا لا يقل عن 55 في المئة بسبب تخلف الأساليب والطرق». ووفقا لأقوال نائب رئيس المجلس العالمي للمياه وليام كوسغروف فإن هناك اليوم «مليوني طفل يموتون سنويا بسبب مشكلات على علاقة بالمياه».
وليس الوضع بأحسن حال عندما نصل إلى المنطقة العربية، التي يقول عنها الخبير العربي في شئون المياه هيثم الكيلاني، إنها «تعاني عجزا واضحا في مواردها المائية. فسكانها يمثلون نسبة كبيرة من سكان العالم. ولكن استهلاكهم للماء هو أقل من 1 في المئة. كما أن 67 في المئة من مواردها المائية تأتي إليها من خارج حدودها السياسية مثل نهري دجلة والفرات اللذين ينبعان من تركيا».
هذا على المستوى العربي العام، الذي لا تختلف عنه كثيرا الأوضاع القطرية الخاصة، ففي العام 2008، صرح وزير الري والموارد المائية نصرى علام المصري قائلا: إنه لم تتخذ مصر «الإجراءات الصارمة من خلال وضع استراتيجية مائية واضحة وحقيقية قائمة على قدرات مصر ومواردها فى الداخل والخارج فسوف تواجه أزمة مياه حقيقية فى العام 2017 وخاصة بعدما أشارت الإحصائيات إلى أن عدد سكان مصر سيصل إلى 85 مليون نسمة».
ومن مصر نصل إلى اليمن حيث يحذر الباحث اليمني في جامعة ميسور الهندية وديع الشرجبي من أن «العديد من مناطق اليمن تعاني من أزمة حادة في مياه الشرب والزراعة». ويحذر من أن «المخزون الجوفي للمياة قد يستنزف كليا بعد سنوات قليلة. وقال: إن متوسط حصّة الفرد في اليمن من المياه المتجددة تبلغ نحو 125 مترا مكعبا في السنة فقط، في حين أن هذه الحصة لا تمثل سوى 10 في المئة مما يحصل عليه الفرد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والبالغة 1250 مترا مكعبا. كما والمتوسط العالمي لحصة الفرد من المياه 7500 متر مكعب». ويستشهد الشرجبي بدراسة لمنظمة الفاو تصنف اليمن «من بين أفقر 10 بلدان في العالم في مسألة المياه». ويطالب الشرجبي بضرورة وضع «حلول عاجلة لهذة المشكلة الحيوية من خلال تقديم الدعم اللازم للأبحاث العلمية لتنمية الموارد المائية وحمايتها من الجفاف والتلوث البيئي واتخاذ إجراءت صارمة في ترشيد استهلاك المياه ومنع الحفر العشوائي، مطالبا الجهات المعنية والأحزاب السياسية باستثمار الطاقات بدلا من إهدارها».
وعلى المستوى الخليجي، لا تزال مشكلة المياه في مدينة الطائف السعودية حاضرة في أذهاننا، والتي أكد وزير المياه والكهرباء السعودي عبدالرحمن الحصين أنها «ستنتهي بداية العام المقبل، حيث يجري تركيب خط نقل تحت الإنشاء، (مؤكدا) أن المياه لن تنقطع عن محافظة الطائف خلال صيف هذا العام».
قد يحتاج العالم إلى تلك الغسالة الثورية من أجل الحفاظ على ثروته المائية، لكن وكما تشير الأرقام فإن العرب بحاجة إلى ما هو أكثر من تلك الغسالة كي يحافظوا على ثروتهم المائية ويحموها من الهدر.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2484 - الخميس 25 يونيو 2009م الموافق 02 رجب 1430هـ