العدد 3433 - الإثنين 30 يناير 2012م الموافق 07 ربيع الاول 1433هـ

عبدالكريم العليوات يتذكر (3) ... والدي بدأ نشاطه السياسي في مطلع الثلاثينات من القرن العشرين

الزمن لا يشيخ؛ وخصوصاً للذين هم شاهدون عليه. هم يمثلونه في أكثر من قلب وحس إضافي في اللحظات الفارقة والحاسمة. هم ثرمومتر الزمن. البعض يريد للزمن أن يشيخ ويهرم ضمن شروطه واصطفافه أو حتى مزاجه. ذلك لن يحدث؛ لأن الزمن ليس أجيراً عند أحد بالمياومة أو براتب مقتطع يحدده صاحب مزاج أو وهم.

عبدالكريم العليوات واحد من شهود مرحلة فاصلة امتدت منذ منتصف القرن العشرين وشهد أحداثاً وتحولات.

وحين يتذكر هنا لا ليذهب في السرد، بقدر ما يذهب في محصلات ذلك السرد. يواصل عبدالكريم العليوات حديث الذكريات.


أمانة التاريخ ونزاهته

أمانة التاريخ مسئولية كبيرة وخطيرة، وانطلاقاً من إحساسي بأن كتابة التاريخ بصدق وأمانة ونزاهة واجب إنساني مقدَّس شرعت في البداية وسأذكر ما لديَّ من حقائق وما أتذكره من أحداث. أنا رجل علم وعمل لم ألتحق يوماً بالعمل السياسي في تلك الفترة الحاسمة من تاريخ الوطن؛ بل اكتفيت بالمتابعة والمراقبة عن قرب ومن ثم التوثيق، وعلى رغم التصاقي الوثيق بوالدي وإلمامي بكل شاردة وواردة فإنه لم يكن لي حراك سياسي في أي موقع من مواقع الحركة المطلبية آنذاك.

إن حلقات التاريخ لا يمكن فصلها عن بعضها بعضاً؛ فهي متصلة بحكم أحداثها وإرادة القائمين عليها حتى تصل إلى مبتغاها من حقوق. فواقعنا اليوم لا نستطيع فهمه فهماً صحيحاً إن لم ندرك الظروف التي قادت إليه ضمن سياقها التاريخي.

وبما أن جميع الحركات النضالية والمنادية بتصحيح الانحرافات والتمييز بين فئات الشعب والتهميش لفئة دون أخرى لها أصول متجذرة في هذه الأرض الطيبة، كانت بداياتها بتضحيات المناضلين القدامى الذين تعلمنا منهم كيف نعيش أحراراً في وطن واحد هو ملك بالتساوي للجميع.

لقد قرأت الكثير من الكتب والمقالات عن تاريخ الرجال الذين أسسوا حركات النضال في البحرين. كنت أستنكر بعضها لأنه يجافي الحقيقة، فاستذكرت واسترجعت أياماً كانت تزخر بالعمل الوطني. هناك الكثير من المغالطات ووجهات النظر المتعجلة تعتمد في معظمها على (سمعت أو قالوا) هذه معلومات لا يمكن الاعتماد عليها لتأريخ ثورات شعب مقهور؛ إذ لابد من أخذ المعلومات من مصادرها وهنا تكمن الأهمية في تأريخ الأحداث والتواريخ حين حدوثها لتتكشف لنا حقائق ومعارف تاريخية كانت كالألغاز التي يصعب حلها أو فهمها.

لقد تعرض كثيرون لتاريخ هيئة الاتحاد الوطني التي قادت النضال الوطني ما بين 1954 و1956، والى التحركات الوطنية قبل ذلك، لكن كان هناك تركيز على جانب دون آخر. إن تدوين تاريخ الحركة المطلبية الإصلاحية في الخمسينات واجب مقدس لا لإنصاف قادتها فحسب، بل لاحترام عقول وثقافات الأجيال الحالية والمقبلة التي تمر في هذه الفترات بمفاهيم وظواهر يصعب الإمساك بها كحقائق؛ ما يوقع الباحثين منهم في التناقض والاضطراب وفقر المعلومات.

إن من حق الرجال علينا أن نكتب تاريخهم بعيداً عن العواطف والمجاملات والتلميع. نكتبه بصورة سليمة وحقيقية بعيداً عن الغش والزيف، ومتى كانت المادة جامعة للوثائق التاريخية تمكنَّا من تقديم الشخصيات في أنصع مظاهرها وأبرز مواقفها التي أثارت اهتمام الناس. «تعترف الأمة برجالها العظماء» هذه المقولة لنابليون.

إذن لنعترف جميعاً بمراحل نضال الرجال الحقيقية في مقاومة الظلم والاستبداد لتتجسد لنا الحقائق بصدق من دون تزوير أو تزييف لنطلع جميعاً على قوة الرجال وبسالتهم ودورهم البارز في مقارعة الظلم والاستبداد ولنقس مدى ثقل تضحياتهم العظيمة والتي كانت الأساس في بداية التحركات الوطنية السلمية لاسترجاع الحقوق، وكان فيصلهم دائماً صوت الضمير الحي الأمين على حقوق شعبهم الذي جعلها أمانة في أعناقهم.

كان والدي (عبدعلي العليوات) مثالاً يحتذى به في رجولته ورصانة طبعه وأصالته ومتانة خلقه وقوته وصدق ثباته حين البأس وقدرته على مجالدة الصعاب وركوب المخاطر في سبيل قضيته الوطنية. لم تغرِه المادة والمنصب، ولم تكن له مآرب في حكم أو سيطرة وما إلى ذلك من أمور بل كان يتحرك بدافع من الغيرة على حقوق شعبه بعيداً عن الظهور والأضواء.

قرأت في الكثير مما كتب عن هيئة الاتحاد الوطني ولكن قرأت القليل والقليل جدّاً عن ثورة 1938 الإصلاحية التي وضعت الأسس الصلبة لما سيأتي بعدها، وعلى رغم أهميتها فإنها لم تذكر إلا نادراً. وقبل 1938، كانت هناك حركة 1934.


من حركة 1934 إلى 1938

برز نشاط عبدعلي العليوات (مع مجموعة من رجال البحرين سآتي على ذكرهم لاحقاً)، في حركة العام 1934، وظل طوال تاريخه الحافل بالعمل النضالي متمسكاً بأجمل وأنبل ما في هذا الفكر، منحازاً إلى الفقراء والعمال والكادحين، مضحياً بمباهج الحياة وترفها، لأنه يعلم يقيناً أن عليه مواجهة صعوبات وتحديات كبرى أهمها مواجهة ثقل نظام الحماية البريطانية على الشئون الخارجية والدفاع، وهيمنة المستشار البريطاني تشارلز بلغريف على الشئون الداخلية، ومن ثم مواجهة الفساد المستشري في مفاصل الوطن ومقارعة ظلم قد تجاوز مداه لشعب مقهور مهمَّش محروم من أبسط حقوقه وأهمها آنذاك التعليم.

وكغيره من شباب تلك الفترة؛ امتاز بروح التمرد والعنفوان والثقة بالنفس، روح تنزع نحو الحرية والتخلص من أساليب السيطرة والقمع ومواجهة الواقع بحزم وثبات لتكسر قيد الاستعمار وقهره وتنتصر لإرادة الشعب.

كانت حماسته للاستقلال ونيل الحقوق جعلته يكافح بعزم وإخلاص من أجل نهاية عادلة لقضية البحرين ليتحول فيما بعد إلى قيادة وطنية شعبية.

كانت فكرة الحركة المطلبية في 1934 انطلقت من جانب عدد من الأشخاص وهم: والدي عبدعلي العليوات، منصور العريض، محسن التاجر، عبدالرسول بن رجب، حاجي عبدالعزيز بن حجير البوري، أحمد بن ناصر، حسين المدحوب، وحاجي علي بن عباس العالي. وقد اتفقت هذه المجموعة على مخاطبة حاكم البلاد آنذاك سمو الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة، مذكرين بدورهم في تعزيز استقرار البلاد بعد الأحداث التي شهدتها البحرين في عشرينات القرن الماضي، وكيف أنهم وقفوا مع شرعية الدولة بقيادته مقابل العدالة في التمثيل في مختلف مجالات الدولة وطالبوا بإصلاح محاكم البحرين وتقنين الأحكام التي يرجع إليها القضاة، والعمل بفكرة التمثيل النسبي في مجلس التجارة والمجلس البلدي، و توفير المدارس التعليمية لجميع المواطنين الذين حرموا منها حتى ذلك الوقت.

ولكن ومع الأسف؛ فإن تلك المطالب لم تلق آذاناً صاغية، ولكن ذلك التحرك ظل ينشط، وتصاعد في 1938. المهم الإشارة الى انه قبل العام 1938 كانت التحركات الاجتماعية تحدث بين كل فئة مجتمعية على حدة، وهذا واضح من أسماء الذن تحركوا في 1934، وهو الأمر ذاته في العشرينات من القرن الماضي.

كتبت الرسالة المطلبية في 23 رمضان 1353 هـ (30 ديسمبر/كانون الأول 1934) ووقعتها الشخصيات الثماني المذكورة، وتذكر إحدى الوثائق البريطانية رسالة كتبها المعتمد السياسي بتاريخ 28 يناير/ كانون الثاني 1935؛ إن عبدعلي العليوات لعب دوراً في كل من التحركات «التي حدثت خلال السنوات الخمس الماضية مثل قضايا الأوقاف والمعارف».

كما تذكر الوثائق اجتماعاً عقد في 28 يناير 1935 في مأتم مدن، وفي 29 يناير 1935 اجتمعت اللشخصيات في مأتم بن رجب لمناقشة رد الحكومة واتفقوا على الاستمرار في مطالبهم. وفي 30 يناير 1935 اجتمع منصور العريض وعبدعلي العليوات وعبدالرسول بن رجب ومحسن التاجر، مع المستشار تشارلز بلغريف. ولكن جميع تلك المطالب جوبهت بالسلبية أثناء الاجتماعات مع الجانب الرسمي.

ولكن هذه الجماعة التي تحركت في 1934 ساهمت بشكل مباشر في إحداث تغير نوعي في النشاط السياسي، إذ إنه ومع حلول العام 1938 نشأت أول حركة مطلبية تجمع قادة ورموزاً من كل فئات الوطن.

ففي 1938، برزت الى السطح الحركة الوطنية الأولى التي رفعت مطالب لجميع فئات الوطن، وذلك بعد اندماج نشاطات شخصيات مثل علي بن خليفة الفاضل ومحمد الفاضل وخليل المؤيد، يوسف كانو وعبدالرحمن الزياني، وسعد الشملان، وأحمد الشيراوي، مع محسن التاجر، محمد علي التاجر، السيد سعيد بن السيد خلف، عبدعلي العليوات، منصور العريض، السيد أحمد العلوي، والشيخ عبدالله بن محمد صالح، حاجي أحمد بن خميس

العدد 3433 - الإثنين 30 يناير 2012م الموافق 07 ربيع الاول 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 2:48 م

      ومنك نستفيد

      الكاتب الفاضل ومنك نستفيد سمعنا بالعليوات لكن لا امعلومات كافيةلدينا ومن خلال شخصكم تعر فنا
      عليه

    • زائر 5 | 2:36 م

      اهل العزم

      على قدر اهل العزم تأتي العزائم والعليوات كذلك فهو قدوة

    • زائر 4 | 1:37 م

      الحاج عبدالله أبوديب. رحمه الله

      كان له دورا مهما وكانت تعقد بعض الاجتماعات في منزله

    • زائر 3 | 11:31 ص

      ام حسن

      المهتم بتاريخ البحرين علية يدخل موقع سنوات الجريش موقع ممتع وغني بمصادر متنوعه عن تاريخ البحرين الحبيبة

    • زائر 2 | 2:28 ص

      احب الاستزادة

      اود الا ستزادة في موضوع الحاج العليوات في سانت هيلانة فهل يمكنني التواصل مع الكاتب

    • زائر 1 | 1:58 ص

      الحقيقة

      كنا نجهل كثير من تاريخ البحرين وذلك لعدم وجود مصادر المعلومة الصحيحة ومع ظهور الشبكة العنكبوتية "الإنترنت" تمكن الكثير من الإطلاع على مختلف المصادر والنتيجة أنه هناك حماسة وإصرار على التضحية لدى الشعب البحريني امتدت وبشكل مستمر لأكثر من 100 سنة في المطالبة بالحقوق المشروعة ، والملفت أن سيناريو التضحية الشعبية والحراك المضاد لها يتكرر

اقرأ ايضاً