العدد 2484 - الخميس 25 يونيو 2009م الموافق 02 رجب 1430هـ

البيت اللبناني بين مشهدين

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

اليوم يعقد مجلس النواب اللبناني جلسته الرسمية الثانية وهي مخصصة لانتخاب رئيس البرلمان. والمعلومات الرقمية المجمعة تشير إلى أن النائب نبيه بري سيفوز بغالبية أصوات المقاعد وسيعود إلى ممارسة دوره في إدارة المنصب الثاني في الجمهورية اللبنانية.

بعد جلسة انتخاب رئيس البرلمان يبدأ مجلس النواب في إجراء استشارات قانونية مع رئيس الجمهورية لاقتراح اسم لتولي مسئولية المنصب الثالث.

بغض النظر عن اسم رئيس الحكومة اللبنانية فإن تضاريس توزع الطوائف والمذاهب واختلاف معاييرها النسبية بين قوى 8 و14 آذار تتطلب تشكيل وزارة ائتلافية تمزج كيماويا بين إناء 14 (71 نائبا) وإناء 8 (57 نائبا) حتى تتوازن المعادلة بين الطرفين. وما يفيض عن المعادلة يُعطى لرئيس الجمهورية حتى يدير الدفة باتجاهات تسمح له بترجيح هذا القرار وتعطيل ذاك.

حتى يصل القطار اللبناني إلى هذه المحطة يرجح أن تحصل خصومات تخلط جزئيا أوراق التحالفات. إلا أن الإجراءات الدستورية لابد من اتباعها مهما كانت الأمزجة السياسية حتى تستقيم معادلة المزج الكيماوي من دون تفريط بالنتائج التي أسفرت عنها الانتخابات اللبنانية.

القطار بدأ تحركه رسميا من اليوم ولكن السكة التي يسير عليها ليست لبنانية بالكامل. فالبيت الآيل للسقوط يحتاج دائما إلى عون إقليمي حتى يضمن عدم انهياره وتفككه إلى مقاطعات طائفية يتحكم بها أمراء مذاهب وحروب. القطار لبناني والسكة إقليمية وهذا الأمر الواقعي (الجغرافي الديموغرافي) يضغط سيكولوجيا على بلاد الأرز وما يدور حولها وفي محيطها الجواري القريب والبعيد من تطورات تتجه نحو لغة عنيفة ومتطرفة.

البيت اللبناني الآيل للسقوط من غير الممكن إعادة ترميمه من دون مظلة إقليمية توفر الأمان لشعبه المسكين والمغلوب على أمره. لذلك تتجه الأنظار اللبنانية إلى مراقبة ومتابعة ما يحصل من تطورات غير مريحة ولا تبشر بالخير في المشهدين: فلسطين المحتلة وإيران.

المشهدان الفلسطيني (الإسرائيلي) والإيراني يضغطان بقوة على توازنات الشعب اللبناني وتجاذباته الأهلية واستقطاباته الطائفية والمذهبية. ومخاوف بلاد الأرز تتركز الآن على قراءة نهايات الخطابات السياسية التي ستخرج بها إلى العلن.

لبنان يمر في حالات قلق من خطاب أقصى التطرف الصهيوني في تل أبيب. والكلام الذي قاله رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في خطاب الرد على مبادرة الرئيس الأميركي باراك أوباما يؤكد على تصعيد التوتر ورفض مشروع السلام العربي وما يتطلبه من وقف للاستيطان والانسحاب من الأراضي المحتلة وإعادة القدس وعودة المهجرين الفلسطينيين إلى ديارهم.

كلام نتنياهو وجّه ضربة موجعة لنشاط إدارة أوباما حين أصرّ على استكمال تهويد القدس وتوسيع المستوطنات عموديا وأفقيا ورفض البحث في موضوع العودة وهدد بسياسة طرد الفلسطينيين وإبعادهم من أراضي 1948 بذريعة حماية هوية «إسرائيل» اليهودية من المتغيرات الديموغرافية.


السكة الإقليمية

المشهد الإسرائيلي لا يبشر بالخير لأن خطاب نتنياهو يشكل تحديا للمشروع العربي ومبادرة أوباما ويهدد الاستقرار في لبنان في حال تصاعدت لهجة تل أبيب العنيفة وبادرت إلى تحويل كلامها إلى أفعال. وهذا الاحتمال يعزز فرضية عدم حصول تسوية دائمة في لبنان باعتبار أنه الطرف المعني مباشرة بملف العودة وما يتطلبه من ضمانات وإجراءات قانونية تبطل صواعق التفجير في المخيمات الفلسطينية.

هذا من ناحية الجنوب. أما من ناحية الشمال يظهر المشهد الإيراني أنه مقبل على تطورات عنيفة إذا أمسك رئيس الأمر الواقع محمود أحمدي نجاد بمقاليد السلطة مرة ثانية. لذلك تنتظر بلاد الأرز تفاعلات أزمة انتخابات الرئاسة وتموضع السلطة الإيرانية في المرحلة المقبلة وطبيعة الخطاب الذي سيطل به رئيس الأمر الواقع على العالم والمحيط الإقليمي العربي والإسلامي.

المشهد الإيراني مهم لبلاد الأرز نظرا للتداخلات والامتدادات. لذلك يراقب اللبنانيون بحذر تلك التموجات التي تتمظهر من خلف ستار القيادة السياسية في طهران وما ستنتجه من تطورات في الفترة الانتقالية المقبلة.

لاشك في أن إيران تعرضت إلى صدمة سياسية عنيفة في ضوء حفلة الاتهامات بالتزوير والخداع. وهذه الصدمة سيكون لها ارتداداتها السياسية المحلية والجوارية والإقليمية تشبه كثيرا تلك الارتدادات الطبيعية التي تنشأ عادة عن الزلازل. لذلك يتجه اللبنانيون نحو الترقب والتحفظ بانتظار ما ستسفر عنه الصدمة الإيرانية من تداعيات وتموجات سلبية وإيجابية في داخلها ومحيطها العربي الإسلامي.

أهم ما يقلق بلاد الأرز طبيعة خطاب رئيس الأمر الواقع في دورته الثانية. فهل سيبادر إلى التعامل بتواضع مع نتيجة الانتخابات الرئاسية المفترض إعلانها رسميا بعد الانتهاء من حفلة التحقيق بالتجاوزات ويبدأ بإعادة هيكلة اللغة السياسية حتى تتناسب مع المتغيرات الدولية والإقليمية والجوارية أم أنه سيعاود إنتاج «الصواريخ البخارية» ويجدد إطلاقها عشوائيا من دون انتباه إلى أن «تيار المحافظين الجدد» خرج منذ زمن من البيت الأبيض؟

الجواب عن السؤال يحدد كثيرا المسار الإقليمي الذي ينبغي أن يسير على سكته القطار اللبناني. فهذا البيت الآيل للسقوط يتخوف فعلا من هزة ارتدادية ناجمة عن الصدمة الإيرانية في لحظة تقود تل أبيب حكومة عنصرية وشديدة التطرف في خطابها السياسي. وخطورة انعكاس العنف اللفظي في المشهدين الإسرائيلي والإيراني على الساحة اللبنانية المفتوحة والمكشوفة على فضاءات المنطقة تؤرق القوى السياسية في 8 و14 آذار حتى لو نجحت في التفاهم على معادلة كيماوية تمزج الطرفين في حكومة ائتلافية واحدة. فهذا البلد الصغير تعرض مرارا إلى اهتزازات ارتدادية في تاريخه المعاصر ناتجة أصلا عن حركة زلازل إقليمية. وما يحصل الآن في مسرح «الشرق الأوسط الصغير» من تشنجات وتجاذبات ومتغيرات قد تخلط أوراق التحالفات لن يمر مرور الكرام على خشبة الساحة اللبنانية. ولهذه الأسباب المجمعة من روافد إقليمية يتخوف اللبنانيون من أن تتحول ساحة بلاد الأرز مجددا إلى منطقة تستقبل تصدير الأزمات الداخلية من الدول المجاورة ما يؤدي بها إلى دفع ثمن تنفيس الاحتقان الناجم عن الاحتباس الحراري والرؤوس الطاووسية الحامية.

القلق اللبناني ليس مبالغة في القراءة والتوقعات وإنما له أصوله وتاريخه ومحطاته البعيدة والقريبة. لذلك تتجه الأنظار إلى الداخل لمراقبة القطار النيابي وانتخاب رئيس للبرلمان في وقت ترصد الأنظار تحولات المحيط الجغرافي الجواري والمحطات التي ستتوجه نحوها سكة الحديد الإقليمية.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2484 - الخميس 25 يونيو 2009م الموافق 02 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً